ماذا حدث؟
في الأسابيع الأخيرة، أطلقت شركات التطوير العقاري في مصر عروضاً خصومات غير مسبوقة على الوحدات السكنية، حيث بلغت نسب الخصم على السداد النقدي الفوري حتى 55% في بعض المشاريع، مما يعني طرح وحدات بأسعار أقل من نصف قيمتها الأصلية.
صدرت شركة “مدينة مصر” هذا السباق بعرض خصم 55% في مشاريعها بشرق القاهرة، تلتها عروض أخرى في غرب القاهرة بنسب 30%، وفي مناطق مثل العاصمة الإدارية الجديدة والتجمع الخامس بنسب 40-45%.
هذه الخصومات تأتي بعد فشل خطط التقسيط الطويلة (تصل إلى 15 عاماً) في إنعاش السوق، وسط تباطؤ التضخم ومكاسب الجنيه أمام الدولار، مع توقعات بخفض أسعار الفائدة في اجتماعات البنك المركزي القادمة.
المنطقة الأكثر تأثراً هي شرق القاهرة، حيث تراوحت الخصومات بين 25% و50%، بينما سجلت المشاريع الجاهزة أو ذات التنفيذ المرتفع إقبالاً أكبر رغم نسب خصم أقل.
لماذا هذا مهم؟
يعكس هذا السباق الخصومات ضغوطاً تمويلية حادة على شركات التطوير العقاري، حيث يعاني القطاع من نقص السيولة النقدية وتباطؤ المبيعات بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بعامي 2022-2023، اللذين شهدا طفرة في الطروحات.
التمويل البنكي محدود ويتركز على شركات قليلة، مما يدفع المطورين إلى اللجوء للخصومات لتأمين تدفقات نقدية عاجلة لسداد الالتزامات الجارية واستكمال التنفيذ، خاصة مع اقتراب مواعيد تسليم مشاريع 2026.
هذا التوجه يُعزز جاذبية العقار كاستثمار موثوق في ظل الظروف الاقتصادية، لكنه يُشير إلى أزمة هيكلية في السوق المصري الذي يفتقر إلى منظومة تمويل عقاري قوية، مما قد يؤدي إلى إرجاع وحدات أكثر وتأخير تسليمات.
كما يُعكس التركيز على الدفع النقدي تفضيلات العملاء للاستفادة من العلاوات السنوية، ويُحفز الطلب على المشاريع الجاهزة، لكنه يُفاقم المنافسة الشديدة في مناطق مثل شرق القاهرة، حيث أصبح التسعير أداة حاسمة للبقاء في السوق.
ماذا بعد؟
مع استمرار خفض الفائدة المتوقع، من المتوقع أن تستمر الخصومات المؤقتة في الربعين الأولين من 2026 لتحفيز المبيعات، لكنها قد تتراجع تدريجياً إذا تحسنت السيولة البنكية أو أُطلقت برامج تمويل عقاري حكومية جديدة.
قد تواجه بعض الشركات صعوبات في الوفاء بجداول التسليم إذا تفاقمت الأزمة، مما يُعرضها لدعاوى قضائية أو إرجاعات جماعية، بينما تُعزز الشركات الكبرى مثل “مدينة مصر” خطط سداد مرنة لجذب شرائح أوسع.
على المدى الطويل، يُشير هذا السباق إلى حاجة السوق لإصلاحات هيكلية، مثل توسيع التمويل العقاري وتنويع الطروحات، لتجنب انهيار قطاع يُساهم بنسبة 10% من الناتج المحلي.
في النهاية، يُمثل هذا الوضع فرصة للمستثمرين للدخول بسعر منخفض، لكنه يُنذر بمرحلة انتقالية صعبة للقطاع حتى يستقر الاقتصاد.