ماذا حدث؟
شهدت ليبيا في أواخر سبتمبر 2025 موجة احتجاجات شعبية حاشدة في طرابلس ومصراتة، رفضاً لما وصفه المحتجون بـ”مخططات التوطين” للمهاجرين الأفارقة، مع هتافات مثل “لا للتوطين، ليبيا ليست رواندا” في ميدان الجزائر بطرابلس وميدان النصر بمصراتة.
تصاعد الغضب إلى عنف في مصراتة، حيث هاجم المتظاهرون أسواقاً عشوائية يديرها مهاجرون، محطمين الأكشاك وطاردين العمال الأجانب، مما أدى إلى اعتقالات أمنية واسعة لمئات المهاجرين.
تزامنت الاحتجاجات مع تقرير هيومن رايتس ووتش في 13 أكتوبر، الذي دافع عن إلغاء اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع ليبيا للهجرة، واصفاً إياها بـ”إطار للعنف والمعاناة”، حيث أعاد خفر السواحل الليبي عشرات الآلاف إلى مراكز احتجاز غير إنسانية.
عرض الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر في الأسبوع الماضي تعاوناً أمنياً مع بريطانيا لاحتجاز المهاجرين قبل عبورهم إلى أوروبا، مقابل تبادل خبرات، وسط اتهامات متبادلة بين حكومة الوحدة في طرابلس والشرق.
بلغ عدد المهاجرين 894,890 بحسب منظمة الهجرة الدولية حتى أكتوبر، معظمهم غير نظاميين من السودان والنيجر، يعملون في الزراعة والبناء.
لماذا هذا مهم؟
تُعد الأزمة انعكاساً لضعف الدولة الليبية المقسمة بين حكومتين متنازعتين منذ 2011، حيث أدى الفوضى الأمنية إلى تحول البلاد إلى ممر رئيسي للهجرة غير النظامية نحو أوروبا، مع 90% من المهاجرين بدون وضع قانوني، مما يفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية في مجتمع منهك بالحروب.
أهميتها تكمن في أنها تكشف “التواطؤ الأوروبي”، كما وصفته هيومن رايتس ووتش، حيث تدفع الاتحاد الأوروبي ليبيا إلى دور “جدار دفاعي” خارجي، مقابل تمويلات محدودة للترحيل، لكن ذلك يُغذي الانتهاكات في مراكز الاحتجاز التابعة لميليشيات، مثل التعذيب والعمالة القسرية.
سياسياً، تستغل الأطراف المتنازعة الهجرة كورقة ضغط: حفتر يقدم عروضاً لبريطانيا لكسب اعتراف دولي ورفع حظر السلاح، بينما تتهم حكومة الدبيبة الشرق بـ”توطين فعلي” للابتزاز الأوروبي.
اجتماعياً، يُعبر الغضب الشعبي عن مخاوف ديموغرافية واقتصادية، حيث يتنافس المهاجرون مع الليبيين في فرص العمل، مما يهدد الاستقرار في بلد يعاني من 2.5 مليون مهاجر، ويُفاقم الفجوة بين الشرق والغرب.
ماذا بعد؟
مع تصاعد الاحتجاجات، من المتوقع حملات أمنية أوسع لترحيل المهاجرين، مدعومة بتمويلات أوروبية جديدة مثل المليون جنيه الإسترليني البريطاني لـ”العودة الطوعية”، لكن ذلك قد يُشعل عنفاً أكبر إذا فشلت في معالجة الجذور، كما حذرت منظمة الهجرة الدولية.
قد يؤدي عرض حفتر إلى صفقة مع بريطانيا لمعدات مراقبة حدود مقابل الترحيل، مما يعزز نفوذه في الشرق، لكن رفض الشعب لـ”رواندا جديدة” يُعيق أي توطين، خاصة مع غياب الاستقرار السياسي.
دولياً، قد يضغط الاتحاد الأوروبي لإصلاحات في مراكز الاحتجاز، كما في تقرير هيومن رايتس ووتش، لتجنب اتهامات جرائم ضد الإنسانية.
في النهاية، يعتمد الحل على توحيد الجهود بين الشرق والغرب، مع دعم أممي للحدود، قبل أن تتحول الأزمة إلى صراع داخلي أو إقليمي أوسع، مما يجعل ليبيا “مسرحاً” لأزمة أوروبية تُدار من بعيد.