ماذا حدث؟
في سبعة أشهر فقط من ولايته الثانية، أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشكيل نظام التجارة العالمية الذي استغرق بناؤه أكثر من سبعين عامًا.
ارتفعت التعريفات الجمركية الأمريكية من 2.5% في يناير 2025 إلى أكثر من 15%، ووصلت إلى 20% مع تطبيق التعريفات الإضافية في أغسطس على النحاس والأدوية وسلع أخرى، وهي الأعلى منذ قرن.
هذا التحول تجسد في مشهد رمزي عندما جلست رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في ملعب جولف تابع لترامب في اسكتلندا للتفاوض على صفقة تجارية، بعيدًا عن نهج الاتحاد الأوروبي التقليدي متعدد الأطراف.
ترامب أعاد تعريف الصفقات التجارية، حيث أصبحت تعتمد على فرض تعريفات عالية (15% أو أكثر) مقابل استثمارات إضافية في الولايات المتحدة، بدلاً من خفض الحواجز التجارية كما كان في اتفاقيات مثل “نافتا”.
العديد من الدول، باستثناء الصين، وافقت على هذه الصفقات، مما سمح لترامب بتفكيك النظام التجاري القائم على قواعد منظمة التجارة العالمية بسرعة غير مسبوقة.
لماذا هذا مهم؟
هذا التحول يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، حيث تخلت دول مثل الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية واليابان عن النظام التجاري القائم على القواعد، الذي كان يُعتبر أساس الازدهار الاقتصادي.
الدول وافقت على التعريفات العالية لأسباب عدة:
أولاً، لأن الولايات المتحدة هي التي تتحمل تكلفة التعريفات عبر المستوردين الأمريكيين، وليس الدول الأخرى.
ثانيًا، الدول المنافسة في قطاعات مثل السيارات تسعى للحفاظ على تعريفات متساوية لتجنب الخسارة التنافسية.
ثالثًا، الإحباط من بطء المفاوضات التجارية التقليدية، كما في جولة الدوحة عام 2008، جعل الدول أكثر استعدادًا لقبول نهج ترامب.
هذا التغيير يهدد بتقويض منظمة التجارة العالمية، حيث لم يعد هناك حافز قوي للالتزام بالقواعد متعددة الأطراف بدون مشاركة الولايات المتحدة، أكبر قوة اقتصادية وعسكرية.
النتيجة هي نظام تجاري مشوش يعتمد على صفقات ثنائية، مما يعزز النفوذ الأمريكي لكنه يخلق حالة من عدم اليقين الاقتصادي.
ماذا بعد؟
من المرجح أن يستمر هذا النظام التجاري الجديد، حيث ستجد الحكومات الأمريكية المستقبلية صعوبة في العودة إلى التعريفات المنخفضة بعد أن وافقت دول مثل الاتحاد الأوروبي على خفض تعريفاتها على الصادرات الأمريكية إلى ما يقرب من الصفر.
الاتحاد الأوروبي قد يتبنى نظامًا مزدوجًا، يفاوض فيه الولايات المتحدة بشكل منفصل عن دول أخرى مثل إندونيسيا أو دول أمريكا اللاتينية، لكن هذا النظام قد ينهار إذا استمرت الدول في التخلي عن القواعد التقليدية.
الصين، التي قاومت التعريفات حتى الآن، قد تواجه ضغوطًا اقتصادية متزايدة إذا استمرت في الانفراد بالمعارضة.
على المدى الطويل، قد يؤدي هذا إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد العالمية، مع تركيز أكبر على الإنتاج المحلي وزيادة التكاليف للمستهلكين الأمريكيين بنسبة تصل إلى 8% سنويًا وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
دون إطار عالمي جديد، سيظل النظام التجاري عرضة للتوترات الجيوسياسية، مما قد يعيق النمو الاقتصادي العالمي.