ماذا حدث؟
تستخدم تركيا السيطرة على مياه نهري دجلة والفرات كأداة جيوسياسية لتعزيز نفوذها على سوريا والعراق، مستفيدة من موقعها كدولة منبع.
من خلال مشاريع السدود الكبرى، مثل مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP)، تتحكم تركيا في تدفق المياه إلى هاتين الدولتين، مما يؤثر على الزراعة، والأمن الغذائي، والاستقرار الاقتصادي.
في التسعينيات، هددت تركيا باجتياح سوريا بسبب دعم دمشق لحزب العمال الكردستاني، مستخدمة السيطرة على المياه كورقة ضغط، مما أجبر سوريا على التراجع وطرد زعيم الحزب عبدالله أوجلان في 1998.
في العراق، تسببت السدود التركية، مثل سد إليسو، في انخفاض تدفق المياه بنسبة تصل إلى 50% في بعض المناطق، مما أدى إلى جفاف الأراضي الزراعية ونزوح المزارعين.
في يوليو 2025، وافقت تركيا على زيادة تدفق المياه إلى العراق إلى 420 مترًا مكعبًا في الثانية بعد طلب من رئيس الوزراء العراقي، لكن هذا القرار جاء في إطار ثنائي يعزز هيمنة تركيا بدلاً من اتفاق دولي ملزم.
لماذا هذا مهم؟
تتحكم تركيا في مورد حيوي في منطقة تعاني من ندرة المياه، مما يمنحها نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا.
في سوريا، انخفاض منسوب مياه الفرات بنحو ستة أمتار أدى إلى تعطيل الري في مناطق مثل الرقة، مهددًا الأمن الغذائي ومفاقمًا الأزمة الإنسانية.
في العراق، تسببت السدود في تدهور الزراعة، حيث أصبحت 70% من الأراضي القابلة للزراعة غير صالحة بسبب الجفاف، مما زاد الاعتماد على الواردات التركية، خاصة الغذائية، التي تشكل 20% من إجمالي الواردات العراقية.
تركيا ترفض الاعتراف بدجلة والفرات كأنهار دولية، متمسكة بموقفها بأنها “أنهار وطنية”، مما يعيق الاتفاقيات الدولية ويحول المياه إلى سلاح سياسي.
تغير المناخ يفاقم هذه الأزمة، حيث تقلل قلة الأمطار وارتفاع التبخر من الموارد المتاحة، مما يجعل سوريا والعراق أكثر عرضة لسياسات تركيا المائية.
هذا النفوذ يعزز التبعية الاقتصادية ويهدد الاستقرار الإقليمي.
ماذا بعد؟
قد تواجه سوريا والعراق أزمات غذائية وإنسانية متفاقمة إذا استمرت تركيا في استخدام المياه كسلاح.
في سوريا، قد يؤدي استمرار انخفاض تدفق المياه إلى نزوح إضافي وتصعيد التوترات في المناطق الشمالية.
في العراق، قد يضطر المزارعون إلى التخلي عن المزيد من الأراضي، مما يزيد البطالة والضغط على المدن.
رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري لعام 2025 بشأن العدالة المناخية يوفر فرصة للعراق وسوريا لتدويل القضية، مطالبين بتعويضات عن الأضرار البيئية الناتجة عن السدود التركية، التي تتفاقم بفعل تغير المناخ، لكن دون إطار قانوني دولي ملزم أو تعاون إقليمي، ستظل تركيا قادرة على فرض شروطها.
على المدى الطويل، يتطلب الحل تشكيل هيئة إقليمية لإدارة المياه، تستند إلى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، مع ضغط دولي لإجبار تركيا على الالتزام بالاستخدام العادل للموارد المائية، لتجنب أزمات إنسانية وبيئية أعمق.