ماذا حدث؟
في الآونة الأخيرة، كثفت إسرائيل سياساتها في الضفة الغربية المحتلة من خلال نهج يُشبه “الكماشة”، يجمع بين قرارات حكومية من الأعلى وأعمال مستوطنين متطرفين من الأسفل.
هذا النهج يهدف إلى تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي لصالح رؤية “إسرائيل الكبرى” التي تشمل ضم الضفة فعليًا.
منذ أكتوبر 2023، شهدت الضفة تصعيدًا ملحوظًا، حيث قُتل 977 فلسطينيًا على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين حتى أواخر مايو 2025، مقابل 66 إسرائيليًا في هجمات فلسطينية.
عملية “الجدار الحديدي” التي تستهدف تفكيك البنية التحتية للجماعات المسلحة في مخيمات اللاجئين الشمالية، مثل جنين وطولكرم، أدت إلى دمار مادي واسع وتهجير قسري للسكان.
في الوقت نفسه، يقود وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، المسؤول عن الإدارة المدنية، خطة لتوسيع الاستيطان في المنطقة (ج)، التي تشكل 60% من الضفة وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
في مايو 2025، قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي إقامة 22 مستوطنة جديدة في منطقة E1، وهي منطقة استراتيجية تربط مدن الضفة الجنوبية بالشمالية، بهدف منع التواصل الجغرافي الفلسطيني.
كما أُعلن عن خطط لبناء أكثر من 3400 وحدة سكنية في هذه المنطقة، التي كانت مجمدة لسنوات بسبب الضغوط الدولية.
من الأسفل، يساهم شباب “تلال الشباب”، وهم مستوطنون متطرفون، في تصعيد العنف من خلال هجمات على الفلسطينيين، حيث سجلت 440 هجومًا من يناير إلى يونيو 2025، مقارنة بـ317 في الفترة نفسها من العام السابق.
هذه الأعمال، بدعم تمويل حكومي لـ”مزارع” الاستيطان، تهدف إلى تهجير الفلسطينيين، خصوصًا المزارعين والبدو الرحل، من المنطقة (ج).
لماذا هذا مهم؟
سياسة “الكماشة” هذه لها تداعيات عميقة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
على المستوى المحلي، تسعى إسرائيل إلى تغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي في الضفة لمنع إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، مما يفاقم التوترات ويزيد من احتمالية اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق.
الدمار الناتج عن عمليات مثل “الجدار الحديدي”، إلى جانب هجمات المستوطنين، أدى إلى تهجير عشرات المجتمعات الفلسطينية منذ أكتوبر 2023، مما يعزز الشعور باليأس والغضب بين الفلسطينيين.
هذا الوضع يقوض قدرة السلطة الفلسطينية على الحفاظ على الأمن، حيث تواجه ضغوطًا متزايدة من السكان والجماعات المسلحة.
إقليميًا، تعرض هذه السياسات اتفاقات إبراهيم للخطر، حيث تراقب الدول العربية، خاصة تلك الموقعة على الاتفاقات، تصرفات إسرائيل تجاه الفلسطينيين عن كثب.
قرار الكنيست في يوليو 2025 بإعلان السيادة على الضفة والأغوار، رغم كونه رمزيًا، أثار استياءً عربيًا واسعًا، مما قد يعيق توسيع التطبيع مع دول جديدة.
دوليًا، أدت حوادث مثل مقتل المواطن الأمريكي سيف الله مسلط في سنجل في 10 يوليو 2025، والاشتباه بحريق كنيسة بيزنطية في طيبة، إلى انتقادات حادة حتى من حلفاء إسرائيل التقليديين، مثل الولايات المتحدة.
دعم الحكومة الإسرائيلية الضمني لعنف المستوطنين، من خلال سياسات مثل إلغاء أوامر الاعتقال الإداري ضد المستوطنين وتقليص صلاحيات الشرطة، يعزز التصور بأن إسرائيل تتبنى سياسة تمييزية، مما يضعف مصداقيتها كطرف ملتزم بالقانون الدولي.
هذه السياسات تهدد بتصعيد الصراع إلى مستويات قد تتجاوز تداعيات حرب غزة، خاصة إذا تحول التركيز إلى الضفة بعد أي هدنة محتملة في القطاع.
ماذا بعد؟
مستقبل الضفة الغربية يتوقف على عدة عوامل، فإذا استمرت إسرائيل في سياسة “الكماشة”، مع توسيع الاستيطان وعنف المستوطنين، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد عسكري واسع النطاق، خاصة إذا تحولت الأنظار من غزة إلى الضفة بعد هدنة محتملة، وهذا التصعيد قد يؤدي إلى زيادة العنف من الجانبين، مما يضعف السلطة الفلسطينية ويعزز نفوذ الجماعات المسلحة مثل حماس.
على الصعيد الدولي، قد تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة، خاصة مع تحركات مثل إعلان فرنسا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر 2025، وهو ما قد يحفز دولًا أخرى لاتخاذ خطوات مماثلة، وهذه الضغوط قد تجبر إسرائيل على إعادة تقييم سياساتها، خاصة إذا أرادت الحفاظ على دعم الولايات المتحدة وتوسيع اتفاقات إبراهيم.
من جهة أخرى، يجب على السلطة الفلسطينية تعزيز جهودها لمنع العنف، حيث إن فشلها في ذلك قد يقوض شرعيتها كشريك محتمل في أي تسوية مستقبلية أو دور في إدارة غزة ما بعد الحرب.
الخطوة الحاسمة تتطلب من إسرائيل تبني سياسة صلبة ضد عنف المستوطنين، بما في ذلك التحقيقات والمحاكمات، وتجميد خطط الاستيطان في مناطق حساسة مثل E1.