ماذا حدث؟
في 13 يوليو 2025، اندلعت اشتباكات عنيفة في محافظة السويداء جنوب سوريا، بعد هجوم بدوي على بائع خضروات درزي، مما أشعل فتيل التوترات الطائفية بين المجموعات الدرزية والبدوية.
استجاب الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بإرسال قوات حكومية لاستعادة النظام في المحافظة ذات الأغلبية الدرزية، التي ظلت مستقلة نسبيًا خلال الحرب الأهلية.
لكن بدلاً من تهدئة الوضع، اتهمت هذه القوات بارتكاب انتهاكات خطيرة، بما في ذلك الإعدامات الميدانية، والاغتصاب، والحرق العمد، والنهب، مما دفع إسرائيل إلى شن غارات جوية على وحدات الجيش السوري ومقر وزارة الدفاع في دمشق، بدعوى حماية الأقلية الدرزية.
بحلول 16 يوليو، توسطت الولايات المتحدة في هدنتين: واحدة بين إسرائيل وسوريا، وأخرى بين دمشق والدروز.
لكن الاشتباكات استؤنفت بعد يوم بسبب عمليات انتقامية درزية، مما دفع البدو، الذين لم يكونوا طرفًا في الهدنة، إلى نشر آلاف المقاتلين في السويداء.
أعلنت إسرائيل عن السماح بدخول محدود للقوات الحكومية لمدة 48 ساعة لفصل المتحاربين، قبل أن تنسحب القوات الحكومية مجددًا، تاركةً وقف إطلاق نار هشًا.
هذه الأحداث كشفت عن فشل الحكومة في فرض السيطرة وضبط قواتها، مما أبرز هشاشة النظام الانتقالي بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024.
لماذا هذا مهم؟
تُظهر اشتباكات السويداء عجز الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع عن فرض السيادة والأمن في منطقة ذات أغلبية أقلية، مما يكشف عن نقاط ضعف هيكلية في النظام الجديد:
أولاً، تُبرز الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الحكومية، بما في ذلك استخدام مقاتلين أجانب، فشل دمشق في ضبط انضباط قواتها، خاصة في المناطق الحساسة طائفيًا مثل السويداء.
هذه الانتهاكات، التي تضمنت جرائم ضد المدنيين الدروز، أثارت مخاوف الأقليات الأخرى، مثل العلويين والأكراد، من تكرار سيناريوهات مماثلة، مما يهدد بإعادة إشعال الحرب الأهلية.
ثانيًا، تكشف التدخلات الإسرائيلية عن محدودية سيادة الحكومة السورية، حيث اضطرت دمشق إلى السماح بدخول قواتها بشروط إسرائيلية، مما يعكس ضعفها أمام التدخلات الخارجية.
الثًا، تفاقم التوترات الطائفية بين الدروز والبدو، التي غذتها غياب مؤسسات الدولة الفعالة، يعكس تحديات الحكومة في إدارة المجتمع متعدد الطوائف، حيث تشكل الأقليات أكثر من ربع السكان.
هذه الأزمة تُعقد المفاوضات الجارية مع القوات الكردية (السويداء الديمقراطية) وتعرقل جهود إعادة توحيد سوريا تحت حكومة مركزية، مما يعرض استقرار المنطقة للخطر.
كما أن استمرار وجود مقاتلين أجانب ضمن القوات الحكومية، رغم الضغوط الأمريكية لإزالتهم، يُضعف مصداقية الشرع كقائد وطني قادر على توحيد البلاد.
ماذا بعد؟
تواجه الحكومة السورية الانتقالية تحديات جسيمة لاستعادة الاستقرار وإثبات شرعيتها، وتتطلب الأزمة في السويداء إجراءات فورية وطويلة الأمد.
على المدى القريب، يجب على الشرع الإعلان عن نتائج التحقيق المستقل في انتهاكات السويداء وأحداث الساحل في مارس 2025، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 1500 شخص، لضمان المساءلة واستعادة ثقة الأقليات.
كما يتعين على الحكومة وضع إطار لتشكيل جيش وطني خالٍ من المقاتلين الأجانب، مع تدريب يركز على الحد من التطرف وضمان الانضباط، لمنع تكرار الانتهاكات.
على المدى الطويل، يحتاج النظام إلى إصلاحات دستورية تضمن حماية الأقليات، كما طالب زعيم درزي بارز، حكمت الهجري، لتلبية تطلعات الدروز والأقليات الأخرى.
كما يجب تعزيز المساعدات الإنسانية لمعالجة الأوضاع الكارثية في السويداء، حيث يعاني السكان من نقص في الماء، والكهرباء، والغذاء.
دون هذه الإجراءات، ستظل سوريا عرضة للانقسامات الطائفية والتدخلات الخارجية، مما يعرقل جهود إعادة الإعمار ويهدد بمزيد من الصراعات.