لماذا يرفض قادة إسرائيل إقامة دولة فلسطينية؟

لماذا يرفض قادة إسرائيل إقامة دولة فلسطينية؟

ماذا حدث؟

تكشف رؤية اليمين الإسرائيلي، بقيادة شخصيات مثل بنيامين نتنياهو، ونير بركات، وبتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، عن رفض قاطع لفكرة إقامة دولة فلسطينية، مع التركيز على نهج أمني صلب يعتمد على السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية.

هذا الرفض تجسد في تصريحات نتنياهو خلال لقاء في البيت الأبيض في يوليو 2025، حيث أكد أن الفلسطينيين يمكن أن يحصلوا على “صلاحيات لحكم أنفسهم” ولكن دون أي تهديد أمني لإسرائيل، مع بقاء السيطرة الأمنية بيد إسرائيل.

هذه الرؤية مستوحاة من تجارب مثل فك الارتباط أحادي الجانب عن غزة عام 2005، والذي اعتبره اليمين، بقيادة نتنياهو آنذاك، خطأً أمنيًا أدى إلى تحول غزة إلى “قاعدة إرهاب” بعد سيطرة حماس عليها.

كما يعكس نموذج “إمارة الخليل”، الذي دعمه بركات مع وجهاء عشائر الخليل، محاولة لإنشاء كيانات محلية تحت الرقابة الإسرائيلية، حيث وقّع وديع الجعبري وآخرون رسالة تعترف بإسرائيل كدولة يهودية وتطالب بإمارة محلية ضمن اتفاقات أبراهام.

هذا النهج يستلهم تجربة “روابط القرى” في الثمانينيات، التي حاولت إسرائيل من خلالها إدارة الفلسطينيين عبر قيادات محلية موالية، لكنها فشلت بسبب الرفض الشعبي الفلسطيني.

صعود اليمين المتطرف، ممثلاً في أحزاب مثل “عوتسما يهوديت” و”الصهيونية الدينية”، عزز هذا التوجه، حيث يدعو قادة مثل سموتريتش وبن غفير إلى طرد الفلسطينيين أو تهجيرهم وينكرون وجود “أمة فلسطينية”، معتبرين القومية الفلسطينية “وهمًا”.

لماذا هذا مهم؟

رفض اليمين الإسرائيلي لحل الدولتين له تداعيات عميقة على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث يسعى إلى تكريس واقع “دولة واحدة” يهيمن فيه الإسرائيليون على الأراضي المحتلة دون منح الفلسطينيين حقوقًا متساوية.

هذا النهج، الذي يعتمد على السيطرة الأمنية والتوسع الاستيطاني، يهدف إلى تفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال تجزئة المجتمع الفلسطيني إلى كيانات محلية صغيرة، مثل “إمارة الخليل”، تخضع للرقابة الإسرائيلية.

هذه الاستراتيجية، كما يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان، مناحيم كلاين، تنكر وجود “أمة فلسطينية” وتسعى لتقويض تطلعات تقرير المصير، معتبرة أن أي دولة فلسطينية ستشكل تهديدًا أمنيًا، كما حدث في غزة بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.

تجربة فك الارتباط عن غزة، التي أدت إلى استقالة نتنياهو من حكومة شارون عام 2005، عززت قناعة اليمين بأن أي انسحاب سيؤدي إلى “قاعدة إرهاب”، مما جعل التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية استراتيجية لمنع إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.

هذا التحول، المدعوم من صعود أحزاب متطرفة مثل “عوتسما يهوديت”، حوّل آراء كانت هامشية سابقًا، مثل دعوات بن غفير وسموتريتش لطرد الفلسطينيين، إلى سياسات حكومية رسمية، مما يعكس تغيرًا جوهريًا في الخطاب السياسي الإسرائيلي.

ماذا بعد؟

يواجه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي طريقًا مسدودًا مع استمرار اليمين الإسرائيلي في رفض حل الدولتين وتعزيز نموذج “الدولة الواحدة” تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية.

على المدى القصير، من المرجح أن تستمر محاولات إسرائيل لتطبيق نماذج مثل “إمارة الخليل”، مستفيدة من التعاون مع قيادات عشائرية محلية، لكن هذه المبادرات ستواجه تحديات شبيهة بفشل “روابط القرى” في الثمانينيات بسبب الرفض الشعبي الفلسطيني، الذي يرى فيها تعاونًا مع الاحتلال.

على المدى الطويل، يهدف اليمين إلى ضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع من خلال التوسع الاستيطاني، مما يجعل إقامة دولة فلسطينية مستحيلة جغرافيًا وسياسيًا.

هذا النهج قد يؤدي إلى تصعيد العنف والتوترات داخل المجتمع الفلسطيني، وربما يعزز مقاومة الفلسطينيين لهذه المحاولات، كما حدث تاريخيًا.

على الصعيد الدولي، قد يؤدي تقليص التمثيل الفلسطيني بسبب التجزئة إلى إضعاف قضيتهم في المحافل الدولية، مما يتطلب من المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لتغيير نهجها.

إذا استمر هذا الوضع، فقد يتحول الصراع إلى واقع دائم من الهيمنة الإسرائيلية مع حكم ذاتي محدود للفلسطينيين، مما يعزز اتهامات بممارسة “الأبارتهايد”، كما أشار تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2022.

لتجنب هذا السيناريو، يقترح الخبراء ضرورة إعادة إحياء مفاوضات السلام القائمة على مبدأ “الأرض مقابل السلام”، لكن ذلك يتطلب تحولاً سياسياً داخل إسرائيل بعيدًا عن سيطرة اليمين المتطرف، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الديناميكيات الحالية.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *