ماذا حدث؟
بعد وفاة الملكة حتشبسوت، إحدى أعظم فراعنة مصر القديمة (حكمت حوالي 1478-1458 ق.م)، تعرضت العديد من تماثيلها ونقوشها للتدمير والمحو، فيما يُعرف بـ”حظر حتشبسوت”.
كان يُعتقد تقليديًا أن تحتمس الثالث، خليفتها وابن زوجها، دمر هذه التماثيل انتقامًا منها لتوليها العرش، لكن دراسة جديدة أجراها عالم الآثار جون يي وونغ، ونُشرت في يوليو 2025 عبر “The Conversation”، تقدم تفسيرًا مغايرًا.
استنادًا إلى وثائق الحفريات في معبد حتشبسوت الجنائزي بالدير البحري (1922-1928)، وجد وونغ أن التماثيل تعرضت لتدمير مُنظم عبر كسرها عند العنق، والخصر، والركبتين، مع بقاء بعض الوجوه سليمة.
الدراسة تشير إلى أن هذا التدمير لم يكن بدافع الانتقام، بل كجزء من طقس ديني لإعادة استخدام التماثيل كمواد بناء.
لماذا هذا مهم؟
هذه الدراسة تعيد تشكيل فهمنا لعلاقة حتشبسوت بتحتمس الثالث وللعادات المصرية القديمة.
حتشبسوت، التي حكمت كفرعون بنجاح استثنائي، بنت معابد عظيمة وأشرفت على ابتكارات فنية ومعمارية.
كان يُعتقد سابقًا أن تحتمس الثالث، الذي حُرم من العرش لمدة 20 عامًا، استهدف إرثها بدافع الحقد، لكن وونغ يوضح أن كسر التماثيل كان طقسًا شائعًا في مصر القديمة لإلغاء “القوة الروحية” للتماثيل قبل التخلص منها أو إعادة استخدامها، كما حدث في خبيئة الكرنك التي احتوت على مئات التماثيل “المعطلة”.
التماثيل التي عُثر عليها مبعثرة أو مُعاد استخدامها في البناء، مثل منزل حجري قرب المعبد، أظهرت أضرارًا أكبر لوجهها، بينما بقيت التماثيل المكتملة سليمة نسبيًا.
هذا يشير إلى أن التدمير كان عملية دينية وعملية، وليس انتقامًا شخصيًا، مما يعزز فكرة أن العلاقة بين حتشبسوت وتحتمس لم تكن عدائية بالضرورة.
ماذا بعد؟
الدراسة تفتح آفاقًا جديدة لفهم الممارسات الدينية والسياسية في مصر القديمة، وقد تشجع الباحثين على إعادة تقييم حالات أخرى من “حظر” التماثيل، مثل تلك الخاصة بإخناتون، لتحديد ما إذا كانت طقوسًا دينية أم أعمالًا سياسية، كما تدعو إلى دراسات إضافية حول إعادة استخدام المواد في العمارة المصرية القديمة، خاصة في سياق اقتصاد الموارد.
ومع ذلك، يبقى السؤال حول دوافع تحتمس الثالث مفتوحًا: هل كان يهدف إلى طمس إرث حتشبسوت لتعزيز شرعيته، أم كان يتبع تقاليد دينية؟ أبحاث مستقبلية قد تستكشف وثائق أخرى أو حفريات جديدة في الدير البحري لتوضيح هذه النقاط.
في النهاية، تعيد هذه الدراسة تأكيد مكانة حتشبسوت كشخصية محورية في التاريخ، وتسلط الضوء على تعقيدات السلطة والدين في مصر القديمة.