هل اقترب موعد نهاية “الكفاح المسلح” الفلسطيني؟

هل اقترب موعد نهاية "الكفاح المسلح" الفلسطيني؟

ماذا حدث؟

منذ أواخر القرن التاسع عشر، شكل “الكفاح المسلح” ركيزة الحركة الوطنية الفلسطينية، متجسدًا في شعار ياسر عرفات “الحرية والعدالة من فوهة البندقية”.

رغم توقيع اتفاقات أوسلو 1993، استمر الكفاح المسلح، حيث دعم عرفات سرًا هجمات حماس الانتحارية، وأطلق الانتفاضة الثانية عام 2000.

محمود عباس، الذي تولى القيادة عام 2005، دعا إلى استبدال الكفاح المسلح بالدبلوماسية، لكنه فشل في إقناع فتح وفصائل أخرى، حيث ظل أفراد من أجهزة الأمن الفلسطينية متورطين في أعمال إرهابية، لكن بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، بدأت تظهر شكوك حول جدوى الكفاح المسلح.

في غزة، خسرت كتائب القسام 20 ألف مقاتل، ودُمرت معظم أنفاقها وترسانتها. أبدت حماس استعدادًا لتسليم إدارة غزة لتكنوقراط مرتبطين بالسلطة الفلسطينية، واقترحت هدنة لمدة 5-10 سنوات مع إسرائيل، مع تلميحات بترحيل قادتها.

في الضفة الغربية، قامت إسرائيل بعمليات ضد كتائب حماس والجهاد الإسلامي في مخيمات اللاجئين، مما أدى إلى اعتقال أو استسلام معظم المسلحين، كما شهدت أجهزة الأمن الفلسطينية تطهيرًا لضباط كبار، مع تجنيد شباب جدد.

في لبنان، ضغط الرئيس جوزيف عون على حماس لوقف إطلاق الصواريخ، واعتقل بعض عناصرها، كما تطالب السلطات اللبنانية بنزع سلاح المخيمات الفلسطينية، ووافق عباس على ذلك نيابة عن فتح.

في سوريا، أنهى النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع نشاطًا عسكريًا فلسطينيًا، مع اعتقال قادة مخضرمين، وفي المقابل فإن دول الخليج ومصر والأردن لا تسمح بوجود عسكري فلسطيني، بينما تسمح تركيا وقطر بمقرات لحماس دون وحدات عسكرية.

لماذا هذا مهم؟

تُعد هذه التطورات محورية لأنها تُشكك في استمرارية “الكفاح المسلح” كاستراتيجية فلسطينية.

أولاً، تُظهر الخسائر العسكرية في غزة والضفة، مع تقلص الدعم الإقليمي، أن إحياء الكفاح المسلح على نطاق واسع بات مستحيلاً في المدى المنظور.

ثانيًا، تُبرز الانتقادات الداخلية لحماس، خاصة بعد “طوفان الأقصى”، انقسامًا في الرأي العام الفلسطيني، حيث يرى نصف الفلسطينيين، حسب استطلاعات، أن الكفاح المسلح لا يزال ضروريًا، بينما يدعو آخرون، بما في ذلك مثقفون، إلى التخلي عنه.

ثالثًا، تُعكس هذه الأزمة غياب رؤية فلسطينية واضحة لدولة مستقبلية، حيث ركزت النقاشات التاريخية على الكفاح بدلاً من السياسات الاقتصادية أو الاجتماعية.

رابعًا، تُشير الضغوط الإقليمية، مثل مطالبة السعودية ومصر بنزع سلاح حماس، إلى تحول في الموقف العربي، مما يُعزز عزلة الفصائل المسلحة.

أخيرًا، تُثير هذه التطورات تساؤلات حول استقلالية القرار الفلسطيني، حيث يرى البعض أن الكفاح المسلح أصبح تابعًا لاستراتيجيات إيران وحلفائها، مما يتعارض مع مبدأ عرفات بالاستقلالية.

ماذا بعد؟

لن يتخلى الفلسطينيون عن “الكفاح المسلح” بسهولة، لكنه قد يتراجع تدريجيًا، ففي غزة، قد تقبل حماس نزع سلاح جزئي مقابل إعادة إعمار، لكن هذا سيُثير انقسامات داخلية، خاصة إذا عارضت إيران وحزب الله ذلك.

في الضفة، ستستمر إسرائيل في استهداف البنية التحتية للكتائب، مما يُضعف قدرة حماس على إعادة تنظيمها.

في لبنان، قد ينجح نزع سلاح المخيمات في بيروت أولاً، لكن مخيم عين الحلوة، الخاضع لسيطرة حماس، سيُشكل تحديًا، وحزب الله قد يُشجع حماس على الرفض، مما يُعقد الجهود.

في سوريا، سيستمر النظام الجديد في قمع النشاط العسكري الفلسطيني.

على المدى الطويل، يعتمد التخلي عن الكفاح المسلح على ظهور بديل سياسي قابل للتطبيق، ويتطلب ذلك نقاشًا فلسطينيًا داخليًا حول الدولة المستقبلية، بدعم من المجتمع الدولي.

إذا فشل هذا، فقد يستمر الكفاح المسلح بشكل متقطع، لكنه لن يصل إلى مستويات سابقة بسبب الضغوط العسكرية والإقليمية.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *