تمتد الصحراء الكبرى، هذا العملاق الرملي الذي يُرى من الفضاء، عبر 3.3 مليون ميل مربع، لتحتضن أجزاء من 11 أو 12 دولة في شمال إفريقيا.
لكن هذه الأرض القاحلة، التي تُعد ثالث أكبر صحراء في العالم، لم تكن دائمًا جرداء، ولن تبقى كذلك إلى الأبد، فدورات الأرض البطيئة وتغيرات المناخ البشرية المنشأ تُنبئ بمستقبل مختلف، حيث قد تتحول الصحراء إلى واحة خضراء مجددًا.
مستقبل مختلف
في سبتمبر 2024، اجتاحت عاصفة استوائية غير معتادة المغرب والجزائر وتونس وليبيا، فملأت البحيرات الجافة وأنعشت الأرض بنباتات لم تُرَ منذ عقود.
في تشاد والسودان وإريتريا، شهدت الأمطار زيادة غير مسبوقة، فتحولت مساحات قاحلة إلى بقع خضراء.
هذه الأحداث، التي غذتها تغيرات المناخ ودورة النينو/النينا، تُظهر أن الصحراء ليست محكومة بالجفاف الأبدي، لكن هذه الأمطار المفاجئة لم تجلب الفرح وحده؛ فقد تسببت في فيضانات هددت الملايين، بينما ظلت مناطق أخرى تعاني الجفاف، مما يكشف عن التحدي الأكبر: فقدان القدرة على التنبؤ بالطقس.
دوران الأرض
تعود جذور هذا التحول إلى حركة الأرض نفسها، فدوران الأرض حول محورها، الذي يميل بزاوية تُسبب الفصول، يتذبذب في دورة مدتها 25 ألف سنة تُعرف بـ”تقدم الاعتدال”.
هذه الحركة، الناتجة عن جاذبية الكواكب الأخرى، تغير أنماط هطول الأمطار. عندما يميل المحور بحيث تصبح شمال إفريقيا أكثر حرارة، يجذب الضغط المنخفض هواء المحيط الرطب، فيُحيي الصحراء بأمطار موسمية.
تؤكد السجلات الجيولوجية وجود 230 فترة رطبة في شمال إفريقيا، كان آخرها منذ 11 ألف إلى 5 آلاف سنة مضت، حين كانت الصحراء موطنًا للزرافات والبحيرات، وشهدت نقوشًا صخرية تُظهر حياة رعوية مزدهرة.
وضع الصحراء قديمًا
في العصور القديمة، كانت شمال إفريقيا سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية، حيث زودت روما بالحبوب والزيتون والفواكه.
لكن مع تقدم دورة الأرض وانجراف القارة شمالًا نحو المناطق شبه الاستوائية الجافة، توسعت الصحراء بنسبة 10% منذ 1920، متقدمة 500 كيلومتر شمالًا في ليبيا و48 كيلومترًا سنويًا جنوبًا في مالي.
بحيرة تشاد، مصدر حياة لملايين، تقلصت إلى عُشر مساحتها في الستينيات بسبب الجفاف وسوء استخدام الموارد. هذا التوسع يُهدد المجتمعات المحلية، حيث يُفاقم نقص الغذاء والمياه ويُغذي الاضطرابات السياسية في الساحل.
لكن الأمل لم ينقطع، فمبادرة “الجدار الأخضر العظيم”، التي تجمع 22 دولة، تسعى لإبطاء زحف الصحراء عبر زراعة الأشجار وممارسات مستدامة في منطقة الساحل، التي تشهد بالفعل زيادة في الأمطار مقارنة بجفاف السبعينيات، لكن النماذج المناخية تحذر من أن هذا التحسن قد يكون مؤقتًا، مع توقعات بجفاف أشد بحلول 2150.
في المستقبل البعيد، بين عامي 12000 و13000 ميلادية، ستعود الصحراء خضراء بفضل دورات الأرض، لكن تغيرات المناخ قد تُعجل بهذا التحول أو تُعقده.