في عالم الأثرياء، حيث تُدار ثروات بمليارات الدولارات، يواجه الأغنى من الأغنياء معضلة غير متوقعة: لا يجدون ما يكفي من الأشخاص المؤهلين لإدارة أموالهم.
مع تزايد أعداد المكاتب العائلية – تلك الكيانات الخاصة التي تشرف على ثروات العائلات الضخمة – تتفاقم أزمة نقص المواهب، مما يدفع الأثرياء إلى تقديم رواتب خيالية وحوافز مغرية لجذب مديري الثروات.
لكن، لماذا يصعب العثور على هؤلاء المحترفين؟
ماذا حدث؟
تشير إحصاءات ديلويت إلى وجود 8030 مكتبًا عائليًا حول العالم في سبتمبر 2024، تدير أصولًا بقيمة 3.1 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 10720 مكتبًا بحلول 2030، مع أصول تصل إلى 5.4 تريليون دولار.
لكن هذا النمو السريع يصطدم بنقص حاد في المستشارين الماليين، حيث تقدر شركة ماكينزي أن الصناعة ستواجه عجزًا يصل إلى 100 ألف مستشار بحلول 2034.
تقارير من RBC وCampden Wealth تؤكد أن المكاتب العائلية في أمريكا الشمالية وأوروبا تجد صعوبة كبيرة في توظيف واستبقاء الموظفين، بينما تلجأ المكاتب في مراكز الثروة الآسيوية، مثل سنغافورة، إلى الأتمتة والتعهيد لمواجهة النقص.
في الوقت ذاته، تتنافس هذه المكاتب مع البنوك وصناديق التحوط على المواهب الرفيعة، مما يزيد من تعقيد المشكلة.
لماذا هذا مهم؟
السبب الرئيسي وراء هذا النقص ليس فقط قلة المرشحين المؤهلين، بل أيضًا نهج المكاتب العائلية الانتقائي، فالثقة هي العامل الحاسم.
يقول توبياس بريستل، مدير مؤتمرات بريستل وشركاه: “في عالم المكاتب العائلية، لا يحصل الأكفأ دائمًا على الوظيفة، بل الشخص الموثوق، ويضيف: “عندما تكون الثروة 500 مليون دولار، يصبح اختيار من يُسلم مفاتيحها قرارًا شائكًا”.
إضافة إلى ذلك، تسعى المكاتب العائلية إلى توظيف محترفين يجمعون بين أدوار معقدة، مثل المدير الاستثماري والمدير المالي، وهو طلب نادر يصعب تحقيقه، كما تقول إيريس شو، مؤسسة شركة جينغا في سنغافورة.
من جهة أخرى، يرى المحترفون الشباب أن العمل في المكاتب العائلية محفوف بالمخاطر بسبب هيكليتها غير الرسمية، خطوط التقارير الغامضة، وغياب مسارات الترقي الواضحة.
ماذا بعد؟
لمعالجة هذا النقص، تتجه المكاتب العائلية إلى استراتيجيات جديدة، ففي أوروبا، ترفع المكاتب الرواتب وتقدم حوافز مثل المكافآت، فرص الاستثمار المشترك، ومشاركة الأرباح، وبعضها يدفع “علاوة ثقة” تصل إلى 190 ألف دولار سنويًا للمساعدين التنفيذيين.
كما بدأت المكاتب العائلية تستهدف محترفين في منتصف مسيرتهم المهنية، مقدمةً وصولًا مباشرًا إلى صفقات استثمارية كبيرة.
وفي آسيا، تعتمد المكاتب على التكنولوجيا والتعهيد لتعويض النقص في المواهب، مع تحول اهتمامات الأجيال الجديدة (مثل جيل الألفية وZ) نحو الاستثمار الاجتماعي والاستدامة، تضطر المكاتب العائلية إلى إعادة صياغة عروضها لتتماشى مع هذه القيم.
لكن التحدي الأكبر يبقى في تغيير الصورة النمطية عن المكاتب العائلية كوظيفة “تقاعد” أو مخاطرة مهنية، فقد تكون هذه الوظائف مجزية لمن يبحثون عن تجربة مهنية عميقة بدلاً من الترقي التقليدي.
مع استمرار نمو الثروات العالمية، ستظل المكاتب العائلية في سباق محموم لجذب المواهب، لكن نجاحها سيعتمد على قدرتها على موازنة الثقة بالكفاءة وتقديم بيئة عمل تنافسية ومستدامة.