ماذا حدث؟
منذ إعلانها الاستقلال عن الصومال في 18 مايو 1991، بعد حرب أهلية دامية ضد نظام سياد بري، نجحت أرض الصومال في بناء نظام حكم مستقر نسبيًا، مع عملة خاصة وجوازات سفر وانتخابات ديمقراطية أشاد بها المراقبون الدوليون.
في نوفمبر 2024، أجرى الإقليم انتخاباته الرئاسية الرابعة، حيث فاز عبدالرحمن محمد عبدالله (إيرو) من حزب وداني على الرئيس المنتهية ولايته موسى بيهي عبدي، في عملية وُصفت بالسلمية والشفافة.
هذه الإنجازات عززت مكانة أرض الصومال كشريك محتمل للغرب، خاصة الولايات المتحدة، ومنذ انتخاب ترامب في نوفمبر 2024، تصاعدت التقارير عن احتمال اعتراف أمريكي بأرض الصومال، مدعومة بحملة من الجمهوريين مثل النائب سكوت بيري، الذي قدم مشروع قانون للاعتراف بها، ومراكز أبحاث محافظة مثل مؤسسة التراث، التي أوصت بذلك في “مشروع 2025”.
بحسب تقارير لـ”نيويورك تايمز”، بدأت إدارة ترامب في مارس 2025 محادثات مع مسؤولي أرض الصومال لإقامة قاعدة عسكرية قرب ميناء بربرة مقابل “اعتراف جزئي”، مع التركيز على مواجهة النفوذ الصيني في جيبوتي ومراقبة أنشطة الحوثيين في اليمن.
في المقابل، ردت الصومال بعرض لترامب في مارس 2025، قدمه الرئيس حسن شيخ محمود، لمنح الولايات المتحدة “سيطرة حصرية” على موانئ ومطارات، بما في ذلك بربرة، التي اعتبرتها أرض الصومال “انتهاكًا” لسيادتها، مما أثار توترات إقليمية.
لماذا هذا مهم؟
تكمن أهمية هذا التطور في الموقع الاستراتيجي لأرض الصومال على خليج عدن، المطل على مضيق باب المندب، وهو نقطة عبور حيوية للتجارة العالمية.
يُعد ميناء بربرة، الذي تديره شركة موانئ دبي العالمية، أحد أفضل الموانئ في أفريقيا جنوب الصحراء، ويُنظر إليه كبديل محتمل لقاعدة الولايات المتحدة في جيبوتي، التي تستضيف قاعدة عسكرية صينية.
بحسب “المجلس الأطلسي”، فإن الاعتراف بأرض الصومال سيسمح للولايات المتحدة بتعزيز وجودها العسكري ومراقبة حركة الأسلحة وأنشطة الحوثيين، فضلاً عن مواجهة النفوذ الصيني.
كما أن استقرار أرض الصومال وديمقراطيتها، مقارنة بفوضى الصومال التي يغذيها تنظيم الشباب، يجعلها شريكًا جذابًا للغرب. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر.
الصومال، بدعم من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، تتمسك بسياسة “الصومال الواحد”، وترى أي اعتراف بأرض الصومال انتهاكًا لسيادتها.
يحذر خبراء مثل كين مينكهاوس من أن الاعتراف قد يؤدي إلى زعزعة استقرار القرن الأفريقي، خاصة مع توترات بين الصومال وإثيوبيا بعد توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع أرض الصومال في يناير 2024 للوصول إلى ميناء بربرة.
علاوة على ذلك، قد يشجع الاعتراف الأمريكي حركات انفصالية أخرى في أفريقيا، مما يعرض وحدة الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي للخطر.
كما أن نهج ترامب ” قد يربط الاعتراف بشروط مثل استضافة قاعدة عسكرية أو قبول مهاجرين فلسطينيين من غزة، وهو اقتراح رفضته أطراف في المنطقة باعتباره “تطهيرًا عرقيًا”.
ماذا بعد؟
تتوقف إمكانية مساعدة ترامب لأرض الصومال في انتزاع الاعتراف الدولي على عدة عوامل:
أولاً، إذا قرر ترامب المضي قدمًا، فقد يكون الاعتراف “جزئيًا” في البداية، مثل إقامة علاقات دبلوماسية رسمية دون إعلان كامل للدولة، لتجنب رد فعل عنيف من الصومال وحلفائها.
تقارير “ذا كونفرسيشن” تشير إلى أن المحادثات الجارية منذ مارس 2025 تركز على قاعدة عسكرية في بربرة، مما قد يمهد الطريق لمزيد من التعاون الأمني والاقتصادي
ثانيًا، سيعتمد نجاح هذه الخطوة على قدرة أرض الصومال على تقديم “صفقة جذابة” لترامب، كما أشار دبلوماسي من أرض الصومال في واشنطن، ربما من خلال تسهيلات عسكرية أو تجارية.
ومع ذلك، تواجه هذه الخطوة عقبات كبيرة، فالصومال، التي عززت جهودها الدبلوماسية عبر تعيين شركة لوبي في واشنطن بقيمة 600,000 دولار سنويًا، تسعى لإحباط هذا الاحتمال، معتمدة على دعم الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
كما أن انشغال ترامب بأولويات أخرى، مثل الصراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، قد يقلل من تركيزه على أفريقيا، حيث لم يشغل وضع القارة سوى صفحتين في “مشروع 2025”.
لتجنب الاضطرابات الإقليمية، يوصي المحللون، مثل أليكسي يلونن، بأن تتبنى الولايات المتحدة نهجًا متوازنًا يعزز العلاقات مع أرض الصومال دون التخلي عن دعم الصومال في مكافحة الشباب.
إذا نجحت أرض الصومال في استغلال دعم الجمهوريين واهتمام ترامب بالصفقات، فقد تحقق اختراقًا تاريخيًا، لكن ذلك سيظل مرهونًا بالتغلب على المعارضة الإقليمية والدولية والحفاظ على استقرار القرن الأفريقي.