في السادس من مايو 2025، أصبح فريدريش ميرتس المستشار العاشر لألمانيا بعد تصويت برلماني دراماتيكي شهد مفاجأة تاريخية، حيث خسر الجولة الأولى بشكل غير متوقع، لكنه نجح في تأمين الأصوات في الجولة الثانية.
هذا الفشل الأولي، وهو سابقة في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب، أحرج الزعيم المحافظ الذي قاد ائتلافاً جديداً بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) والاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD)، وسط اضطرابات سياسية عالمية.
يجسد ميرتس، السياسي الصريح ذو الحضور الطاغي، عودة محافظة إلى قيادة ألمانيا، مع وعود بإنعاش الاقتصاد وتعزيز الأمن الأوروبي.
بداياته وصعوده السياسي
وُلد فريدريش ميرتس عام 1955 في منطقة زاورلاند الجبلية بغرب ألمانيا، درس القانون وحصل على شهادة في المحاماة، ليبدأ مسيرته السياسية مبكراً.
في 1989، وهو في الثالثة والثلاثين، أصبح عضواً في البرلمان الأوروبي عن حزب CDU، ثم انتقل إلى البوندستاغ في 1994، حيث برز كمتحدث لامع وصوت قوي داخل كتلته البرلمانية.
في بداية الألفية، كان منافساً محتملاً لأنجيلا ميركل لقيادة الحزب، لكنه خسر أمامها عام 2002، مما دفعه للابتعاد تدريجياً عن السياسة بحلول 2009 ليعمل في القطاع الخاص.
خلال فترة غيابه (2005-2021)، بنى ميرتس ثروة كمحامٍ ومدير تنفيذي، حيث شغل مناصب عليا في شركات مثل BlackRock Germany (2016-2020).
عاد إلى السياسة في 2021 بعد تنحي ميركل، وانتخب زعيماً لـ CDU في 2022 بعد محاولتين سابقتين.
بتوجهاته الاقتصادية الليبرالية والمحافظة اجتماعياً، أعاد توجيه الحزب نحو اليمين، مع التركيز على تقليص البيروقراطية وتعزيز السوق الحرة.
انتصار انتخابي وائتلاف هش
في انتخابات فبراير 2025، تصدرت كتلة CDU/CSU بـ 28.5% من الأصوات، لكنها لم تحصل على أغلبية مطلقة، مما استلزم ائتلافاً مع SPD الذي سجل أسوأ نتيجة تاريخية له بـ 16.4%.
اتفاق الائتلاف، الموقع في مايو 2025، ركز على إنعاش الاقتصاد عبر خفض ضرائب الشركات وأسعار الطاقة، مع زيادة الإنفاق العسكري ودعم أوكرانيا.
في مارس 2025، أُصلحت قاعدة “كبح الدين” الدستورية، مما سمح بإنشاء صندوق بنية تحتية بـ 500 مليار يورو وزيادة الإنفاق الدفاعي، وهي خطوة عكست مرونة ميرتس مقارنة بمواقفه السابقة كمدافع عن الانضباط المالي.
لكن الائتلاف واجه تحديات مبكرة، ففشل ميرتس في الفوز بالجولة الأولى للتصويت على منصب المستشار في مايو 2025، بسبب انقسامات داخل كتلته، كشف عن هشاشة التحالف مع SPD، خاصة مع تصاعد نفوذ اليمين المتطرف (AfD) الذي حصل على 20.8% من الأصوات.
سياسي مقامر
يُعرف ميرتس بجرأته واستعداده للمخاطرة السياسية، وهو ما تجلى في يناير 2025 عندما دعم قراراً برلمانياً لتشديد قواعد الهجرة، معتمداً على أصوات حزب AfD اليميني المتطرف.
هذه الخطوة، التي انتهكت “جدار الحماية الناري” ضد التعاون مع اليمين المتطرف، أثارت انتقادات حادة، بما في ذلك من ميركل نفسها، وأدت إلى مظاهرات احتجاجية.
رغم ذلك، دافع ميرتس عن قراره، معتبراً أن الحلول العملية مقدمة على الاعتبارات الحزبية، لكنه أكد رفضه لأي تحالف حكومي مع AfD.
مواقفه من الهجرة، التي عكست تشدداً منذ التسعينيات، أثارت جدلاً بسبب نبرتها العنصرية أحياناً. في 2023، انتقد “عدم اندماج المهاجرين”، مما أثار اتهامات بالتحريض، لكن قيادة CDU دعمته.
مواجهة ترامب والتحدي الأوروبي
يبرز ميرتس كسياسي صريح، يُقارن أحياناً بدونالد ترامب في أسلوبه الحازم، لكنه يختلف عن سلفه شولتز بهجوميته وثقته العالية.
انتقد تدخلات أمريكية في الانتخابات الألمانية، خاصة تصريحات ترامب ونائبه جي دي فانس، ووصف موقف ترامب من أوكرانيا بـ”عكس سردية الضحية والجلاد”.
هذا التحول من تأييد التحالف الأطلسي إلى دعوة لـ”استقلال أوروبي” يعكس واقعية ميرتس في مواجهة سياسات ترامب المتقلبة.
يدعو ميرتس إلى أوروبا موحدة تقودها ألمانيا مع فرنسا وبولندا، مع التركيز على الأمن والدفاع، ويدعم تزويد أوكرانيا بصواريخ توروس بعيدة المدى، وهو موقف أكثر حزماً من شولتز.
لكنه يواجه تحديات داخلية، حيث يرى البعض أن تركيزه على الاقتصاد على حساب المناخ قد يُضعف استثمارات الطاقة الخضراء.
كمستشار، يواجه ميرتس اقتصاداً متعثراً، وبنية تحتية متدهورة، وتوقعات بانكماش الناتج المحلي بنسبة 0.5% في 2025. خططه لخفض الضرائب وزيادة الإنفاق الدفاعي تتطلب توافقاً مع SPD، التي تعارض تقليص الإنفاق الاجتماعي.
على الصعيد الأوروبي، يُتوقع أن يقود ألمانيا نحو دور قيادي، لكن نجاحه يعتمد على سرعة تشكيل حكومة مستقرة بحلول عيد الفصح 2025.