بمناسبة اليوبيل الذهبي.. ماذا نعرف عن سقوط سايغون في فيتنام؟

سقوط سايغون

احتفلت فيتنام في 30 أبريل 2025 بالذكرى الخمسين لسقوط سايغون، الحدث الذي أنهى حرب فيتنام ومهّد لإعادة توحيد البلاد تحت قيادة الحزب الشيوعي

 شهدت مدينة هوشي منه عرضًا عسكريًا ضخمًا، عكس الفخر الوطني والتقدم الاقتصادي، لكنه أثار تساؤلات حول التوازنات الجيوسياسية والتحديات المستقبلية.. فما الذي جرى، ولماذا يهم هذا الحدث، وما الذي ينتظر فيتنام؟

ماذا حدث؟

انطلق العرض العسكري في الساعة 8:00 صباحًا بتوقيت هوشي منه على شارع لي دوان، أمام قصر الاستقلال (قصر إعادة التوحيد)، بمشاركة أكثر من 13 ألف شخص، بينهم 6 آلاف جندي وشرطي و13 ألف مدني، إلى جانب وفود عسكرية من الصين (118 جنديًا) ولاوس وكمبوديا لأول مرة.

تضمن العرض طائرات مقاتلة روسية الصنع و10 مروحيات تحمل الأعلام الفيتنامية، مع مواكب تضمنت دبابة رمزية تحمل صورة هوشي منه، مؤسس فيتنام الحديثة.

رافق العرض عروض فنية، بما في ذلك عرض ضوئي ثلاثي الأبعاد على مبنى لجنة الشعب بعنوان “رحلة 50 عامًا من التراث والمستقبل”، وألعاب نارية في 7 مواقع بالمدينة.

أشاد الأمين العام للحزب الشيوعي تو لام بـ”انتصار الإيمان”، مشيرًا إلى دعم الصين والاتحاد السوفياتي سابقًا، وداعيًا إلى “نسيان الكراهية” وتعزيز السلام.

أعلنت الحكومة عن عفو عن 8 آلاف سجين، لكن دون شمول نشطاء سياسيين، مما أثار انتقادات منظمات حقوق الإنسان.

ماذا نعرف عن سقوط سايغون؟

في 30 أبريل 1975، سقطت سايغون، عاصمة فيتنام الجنوبية، بيد القوات الفيتنامية الشمالية، معلنة نهاية حرب فيتنام وهزيمة الولايات المتحدة في صراع دام عقدين.

كانت الحرب، التي بدأت عام 1955، صدامًا بين فيتنام الشمالية الشيوعية، بدعم من الاتحاد السوفياتي والصين، وفيتنام الجنوبية، بدعم أمريكي وحلفاء مناهضين للشيوعية.

شكّل سقوط سايغون ذروة مقاومة الشمال، بقيادة هو تشي منه، ضد التقسيم الأمريكي للبلاد عام 1954، والذي أعقب مؤتمر جنيف الفاشل في إجراء انتخابات لإعادة التوحيد.

عكست الحرب نزاعًا أيديولوجيًا في سياق الحرب الباردة، حيث رأت الولايات المتحدة أن سيطرة الشيوعية على فيتنام ستؤدي إلى “تأثير الدومينو” في جنوب شرق آسيا، لكن الفساد في حكومة الجنوب، وسوء إدارة جيشها، ودعم الفلاحين للفيت كونغ، أضعفت الموقف الأمريكي.

قُتل ملايين الفيتناميين، بينهم مدنيون، و58 ألف جندي أمريكي، مع خسائر بيئية كارثية بسبب مبيدات مثل العامل البرتقالي.

بحلول 1975، وبعد انسحاب القوات الأمريكية بموجب اتفاق باريس 1973، انهارت فيتنام الجنوبية، واقتحمت دبابات الشمال سايغون، ورفعت علم الفيت كونغ فوق القصر الرئاسي.

عملية “الريح المتكررة” أجلت آلاف الأمريكيين ومواليهم، تاركة الفوضى تسود المدينة، وبعد ذلك أُعيد تسمية سايغون بـ”هوشي منه”، ووُحدت فيتنام تحت الحكم الشيوعي.

وفي فيتنام، اعتبر سقوط سايغون رمزًا لتحدي الهيمنة الأمريكية، وتذكيرًا بكلفة الحروب الأيديولوجية.

لماذا هذا مهم؟

يحمل الاحتفال باليوبيل الذهبي لسقوط سايغون دلالات عميقة محليًا ودوليًا.

محليًا، عزز العرض الروح الوطنية، خاصة بين الشباب الذين ولدوا بعد الحرب ويشكلون غالبية السكان، ويعكس الاحتفال تحول فيتنام من بلد مدمر إلى اقتصاد ناشئ بمعدل نمو متوقع 5.8% في 2025، رغم خفض توقعات البنك الدولي بسبب التوترات التجارية.

دوليًا، أرسل حضور الجنود الصينيين رسالة سياسية، تؤكد تقدير فيتنام لدور الصين التاريخي في الحرب (دعم 300 ألف جندي صيني) وتشدد على حيادها بين الصين والولايات المتحدة.

غياب مسؤولين أمريكيين كبار، مع حضور القنصل العام الأمريكي فقط، يعكس توترات بسبب تهديدات الرئيس ترامب بفرض تعريفات بنسبة 46% على الواردات الفيتنامية.

الحدث يعزز دبلوماسية فيتنام “الخيزرانية”، التي تسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع القوتين العظميين، بينما تواجه تحديات اقتصادية من الحرب التجارية الأمريكية-الصينية.

داخليًا، كشف الاحتفال عن حساسيات حول تسمية الحدث، حيث يطلق عليه البعض “يوم إعادة التوحيد” وآخرون ” أبريل الأسود”، مما يعكس انقسامات تاريخية بين مؤيدي الشمال والجنوب.

ماذا بعد؟

تواجه فيتنام تحديات معقدة بعد الاحتفالات، فاقتصاديًا، يهدد تصاعد الحرب التجارية الأمريكية-الصينية وتوقعات التعريفات الأمريكية صادراتها، التي تشكل ركيزة اقتصادها، ويتطلب تحقيق هدف النمو 8% إصلاحات جذرية وتنويع الأسواق، خاصة مع الصين، أكبر مستثمر ومورد للمكونات.

سياسيًا، يتعين على الحكومة معالجة الانتقادات الحقوقية بشأن القمع السياسي، خاصة بعد استبعاد النشطاء من العفو.

جيوسياسيًا، ستختبر فيتنام قدرتها على الموازنة بين الصين والولايات المتحدة، خاصة مع استمرار الخلافات حول بحر الصين الجنوبي.

محليًا، يجب أن توحد الحكومة الروايات التاريخية لتخفيف الانقسامات بين أنصار الشمال والجنوب، مع تعزيز الفخر الوطني بين الشباب.

يرى المحللون أن نجاح فيتنام في تجاوز هذه التحديات، من التنافس بين القوى العظمى إلى الفجوة الاقتصادية والتدهور البيئي، سيحدد مكانتها في العقود القادمة.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *