مع مرور مئة يوم على ولاية دونالد ترامب الثانية، تتشكل ملامح سياسته في الشرق الأوسط عبر ثلاثة محاور: جذب الاستثمارات، والاستعانة بالقوى الإقليمية للوساطة، ومزيج من التهديد العسكري والسيطرة على المخاطر الأمنية.
هذا النهج البراغماتي، الممزوج بالغموض الاستراتيجي، يعكس رؤية ترامب لتعزيز الهيمنة الأمريكية في منطقة تشهد تنافسًا جيوسياسيًا محتدمًا.
ماذا حدث؟
منذ توليه الرئاسة في يناير 2025، ركز ترامب على تعزيز الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة.
في مكالمته الأولى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تعهد الأخير بـ600 مليار دولار للاستثمار والتجارة على مدى أربع سنوات، مع إشارة ترامب إلى رغبته في رفعها إلى تريليون.
الإمارات، بدورها، أعلنت عن استثمارات بقيمة 1.4 تريليون دولار على عشر سنوات، تشمل الذكاء الاصطناعي والطاقة، مع خطة لإنشاء مصهر ألمنيوم في أمريكا لتجنب الرسوم الجمركية.
في الوقت نفسه، توسطت دول الخليج في نزاعات دولية: نقلت الإمارات رسالة من ترامب إلى المرشد الإيراني لدفع المفاوضات النووية، وقطر واصلت دورها في التفاوض على هدنة في غزة، بينما استضافت السعودية محادثات أمريكية-روسية-أوكرانية، واستضافت عمان مفاوضات إيرانية – أمريكية.
أمنيًا، يواجه ترامب تحديات معقدة، حيث أطلق حملة عسكرية مكلفة ضد الحوثيين في اليمن، مستخدمًا ذخائر بقيمة 200 مليون دولار في ثلاثة أسابيع، وهدد إيران بحرب شاملة إذا فشلت المفاوضات النووية، بينما يتراجع التركيز على استدامة هدنة غزة.
لماذا هذا مهم؟
يعكس نهج ترامب طموحًا لإعادة صياغة الدور الأمريكي في الشرق الأوسط عبر المزج بين الدبلوماسية الاقتصادية والردع العسكري.
جذب استثمارات السعودية والإمارات يعزز الاقتصاد الأمريكي، لكنه يثير تساؤلات حول تأثير الرسوم الجمركية على دول مثل الأردن، التي قد تواجه أزمات اقتصادية بسبب انخفاض الطلب على النفط أو فقدان الأسواق.
الوساطة الإقليمية، التي تقودها قطر والإمارات، تمنح دول الخليج نفوذًا دوليًا، لكن هشاشة الهدن في غزة ولبنان تهدد بتقويض هذه الجهود.
الحملة ضد الحوثيين، رغم تكلفتها، تظهر تصميم ترامب على حماية ممرات الشحن في البحر الأحمر، لكن قدرة الحوثيين على الصمود بفضل طائراتهم المسيرة الرخيصة والتضاريس الجبلية تثير مخاوف من استنزاف الموارد الأمريكية.
تهديدات ترامب لإيران تضع المنطقة على حافة التصعيد، خاصة مع الانقسام داخل فريقه بين دعاة التفاوض ومؤيدي القوة العسكرية.
استمرار الصراع في غزة يعرقل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وهو إنجاز يطمح ترامب لتحقيقه.
ماذا بعد؟
مع اقتراب ترامب من إكمال عامه الأول، ستحدد اختياراته مصير سياسته الشرق أوسطية، فإذا نجحت المفاوضات مع إيران، قد تشهد المنطقة تهدئة مؤقتة، لكن إصرار بعض مستشاريه على تفكيك البرنامج النووي بالكامل قد يدفع نحو المواجهة.
الحملة ضد الحوثيين قد تتصاعد إذا استمرت هجماتهم، مما يهدد بإشعال نزاع إقليمي إذا هاجموا السعودية أو الإمارات.
في غزة، غياب بديل لحكم حماس قد يطيل أمد الصراع، مما يرهن آمال التطبيع السعودي-الإسرائيلي.
اقتصاديًا، ستعتمد استثمارات الخليج على قرارات ترامب بشأن تصنيف السعودية والإمارات كدول “الفئة الأولى” لشراء الرقائق المتقدمة، مما قد يشكل نقطة تحول في العلاقات التكنولوجية، لكن الضغط الأمريكي لإبعاد الصين عن سلاسل التوريد قد يعقد خيارات الخليج.
في النهاية، سيظل نهج ترامب المتقلب، الذي يمزج بين الصفقات الكبرى والتهديدات الصريحة، محك اختبار لقدرة المنطقة على تحمل تقلبات “أمريكا أولاً”.