أثار تسجيل صوتي منسوب للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، نشرته قناة “تليفزيون ناصر” على يوتيوب في 26 أبريل 2025، عاصفة من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
التسجيل، الذي يُعتقد أنه يعود لأغسطس 1970، يكشف عن حوار صريح بين ناصر والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، يعكس رؤية مغايرة لمواقف ناصر المعلنة حول الصراع مع إسرائيل، مما أعاد فتح ملف إرثه المثير للانقسام.
ماذا حدث؟
التسجيل، الذي يمتد لأكثر من 17 دقيقة، يُظهر ناصر في نقاش حاد مع القذافي، حليفه الوثيق عقب ثورة الفاتح 1969.
على عكس خطاباته النارية التي دعت لـ”تحرير فلسطين من النهر إلى البحر”، أبدى ناصر انفتاحًا على حل سلمي مع إسرائيل، محذرًا من “نكبة جديدة” مشابهة لعام 1948 إذا اندلعت حرب جديدة.
وانتقد الدول العربية، مثل سوريا والعراق والجزائر، لـ”مزايداتها” على مصر، داعيًا إياها لحشد قواتها ضد إسرائيل إذا اعتبرت سياساته “انهزامية”، قائلاً: “اللي عايز يكافح ليكافح”.
التسجيل، الذي نشره عبد الحكيم ناصر، نجل الرئيس، ليس تسريبًا، بل جزء من أرشيف متاح بمكتبة الإسكندرية، وفق تأكيده.
هدى عبدالناصر، ابنته، دافعت عن والدها، مشيرة إلى أن اجتزاء التسجيل يحرف سياقه، مؤكدة تمسكه بالقضية الفلسطينية، بينما أثار توقيت النشر شكوكًا حول دوافعه، خاصة مع تزامنه مع مبادرة روجرز الأمريكية لوقف إطلاق النار عام 1970.
لماذا هذا مهم؟
هذا التسجيل يعيد فتح نقاش حول إرث ناصر، الذي يُمجّده البعض كرمز للقومية العربية ويراه آخرون مسؤولاً عن هزيمة 1967.
كشف التسجيل عن ناصر البراغماتي، الذي يدرك توازنات القوى وتفوق الدعم الأمريكي لإسرائيل، يتحدى صورته كزعيم ثوري متشدد.
تصريحاته تعكس واقعية سياسية، حيث دعا إلى أهداف عسكرية محددة بدلاً من شعارات طوباوية، مما يقرب رؤيته من نهج أنور السادات لاحقًا.
الجدل المثار يكشف عن انقسامات مستمرة في تقييم التاريخ العربي، حيث يرى البعض التسجيل إنصافًا للسادات، بينما يعتبره آخرون محاولة لتشويه ناصر.
كما يسلط الضوء على قضية حرية تداول المعلومات، إذ طالبت النائبة مها عبد الناصر بقانون ينظم نشر الوثائق التاريخية لضمان فهمها في سياقها. التسجيل، إذن، ليس مجرد وثيقة تاريخية، بل مرآة تعكس تحديات الحاضر في قراءة الماضي.
ماذا بعد؟
مع إعلان عبد الحكيم عبدالناصر عزمه نشر المزيد من التسجيلات عبر قناة “تليفزيون ناصر”، يتوقع استمرار الجدل حول إرث والده.
هذه الوثائق قد تعيد صياغة السردية التاريخية، خاصة إذا كشفت عن تفاصيل إضافية حول مواقف ناصر من القضية الفلسطينية أو علاقاته بالدول العربية.
لكن غياب سياق واضح للتسجيلات قد يغذي نظريات المؤامرة، كما حذر البعض، مما يستدعي إطارًا قانونيًا لنشر الأرشيف الرئاسي، كما اقترحت مها عبد الناصر.
على الصعيد السياسي، يثير التسجيل تساؤلات عن مدى تكرار أنماط المزايدات العربية اليوم، كما أشار عبد الحكيم، خاصة في ظل التوترات الإقليمية.
المستقبل قد يشهد دعوات أقوى لفتح الأرشيفات التاريخية، ليس فقط لإنصاف ناصر أو السادات، بل لتمكين الأجيال الجديدة من فهم تعقيدات الماضي بعيدًا عن الشعارات، في سعي لكتابة تاريخ أكثر شفافية وعدالة.