في مدينة مليئة بالموت وصوت القصف، تواصل رفيدة سحويل، الفنانة التشكيلية الغزّية، الرسم كتمسك بالحياة، فتلوّن العدم وتفتح نافذة أمل.
لا تنتظر وقف إطلاق النار لإقامة معرضها، بل تستعد له وسط القصف، قائلة: “أنا لا أرسم كهواية، بل لأعيش. الفن هو فعلي للبقاء، وصوتي في وجه العدم”، هكذا بدأت رفيدة حديثها لـ “بريفليكس”، وكأنها تُطلق صرخة ناعمة لكنها واثقة، تحدق في الموت وترسم على وجهه وردة.

ورغم استمرار الحرب والنزوح، تُحضّر رفيدة لمعرضها الخاص من داخل غزة، بعدما عادت بعد عام وثلاثة أشهر من التنقل.
وتضيف: “نزحت سبع مرات وفقدت كل شيء، لكن غزة تمنحني راحة نفسية حتى بين الركام”.
ألوان ضد الإبادة
“الرسم ليس ترفًا، بل معجزتي”، تقول رفيدة، واصفة أدواتها البسيطة كوسيلتها الوحيدة لمواجهة أهوال الحرب. كل خط ترسمه هو صوتها في وجه الفوضى ووسيلتها لحفظ الحياة وسط الموت.

اللوحة بالنسبة لها وثيقة توثق تفاصيل غزة اليومية: طوابير المياه، الطفولة المحرومة، الأرض المجروفة، والأمهات اللواتي يودعن أبناءهن ويعدن بصمت.”لا أرسم من خيالي، بل من واقعي، لأوثق للأجيال القادمة ما عشناه”.
ترفض أن تكون ضحية صامتة، وتؤكد أن الفن يعيد لها إنسانيتها ويذكّرها بأنها ليست مجرد ناجية، بل فنانة تملك صوتًا يقول للعالم: “غزة ليست موتًا فقط، بل مليئة بالحياة”، لافتة إلى أن الإبداع في زمن الحرب هو مقاومة وصمود.

بين القصف والمشروع
رغم استمرار العدوان ونقص المواد الفنية وارتفاع أسعارها، وظلام انقطاع الكهرباء، تواصل رفيدة الرسم، وتعمل على مشروعين فنيين، أحدهما سيُعرض في “بينالي غزة” والآخر داخل المدينة.
وتقول: “أعمل على مشروع يعرض إبادة العائلات، مشهد لم يحدث في أي مكان آخر، حيث اختفت عائلات كاملة من السجل المدني، وأجسد هذا الوجع لتعرّف العالم بالجرائم المتكررة”.

وتضيف: “فقدت مرسمي، لكنني لم أفقد صوتي”، مشيرة إلى أن مرسمها كان جزءًا من روحها: “كل لوحة كانت تمثلني، وفقدانها كان فقدانًا لي”.
وفي ظل غياب أبسط الأدوات، تفرح رفيدة حتى لو وجدت ورقة صالحة للرسم، معتبرة أن الرسم هو طريقتها لإثبات وجودها، وحبها للحياة رغم كل الظروف.

تُعيد رسم الأمل في قلب الحرب
رفيدة لا ترسم لنفسها فحسب، بل للعالم بأسره. تُريد لأعمالها أن تكون رسائل تتجاوز الحصار وتُحطِّم صمت المتفرجين.

“أنا أُحدّث العالم بالفن، أوصل وجعنا دون أن أصرخ، لعلّ أحدهم يشعر بنا، يرسم ملامحنا في قلبه، ويبدأ حراكًا من أجلنا”.
وحين تنطفئ الأنوار وتعلو أصوات الطائرات، تبقى رفيدة هناك، فوق الركام أو في خيمتها، تمسك بريشتها، وتخطّ بالألوان معنى جديدًا للحياة، من قلب غزة.
