قبل البابا فرنسيس.. لماذا دُفن الباباوات في ثلاثة توابيت؟

البابا فرنسيس

بوفاة البابا فرنسيس في 21 أبريل 2025، طويت صفحة من أكثر تقاليد الفاتيكان قداسةً وغرابة، وهو تقليد دفن الباباوات داخل ثلاثة توابيت متداخلة.

هذا الطقس الذي استمر قرونًا، لم يكن مجرد مظهر من مظاهر الفخامة أو الاستعراض، بل كان يحمل رموزًا لاهوتية وعملية عميقة تتعلق بمكانة الحبر الأعظم في الحياة والموت.

البابا فرنسيس، الذي عُرف بإصلاحاته الجريئة وسعيه لتبسيط مراسم الكنيسة وتقديمها بصورة أكثر إنسانية وشمولًا، كان قد أوصى قبل وفاته بتعديل كتاب الطقوس الجنائزية البابوية المعروف باسم “Ordo Exsequiarum Romani Pontificis”.

وفي 29 نوفمبر 2024، نُشر الإصدار الجديد الذي ألغى العديد من الطقوس القديمة، وعلى رأسها دفن البابا في ثلاثة توابيت، وبهذا، يكون بنديكتوس السادس عشر، الذي توفي عام 2022، هو آخر بابا يوارى الثرى وفق هذا التقليد العتيق.

لماذا كان يُدفن البابا في ثلاثة توابيت؟

القصة وراء هذا الطقس تجمع بين الرمزية والوظيفة.

التابوت الأول، المصنوع من خشب السرو، يحتوي على جثمان البابا، بالإضافة إلى ثلاث أكياس من العملات (نحاسية وفضية وذهبية) ترمز إلى سنوات خدمته، كما يُلف بثلاثة شرائط حريرية بعد إغلاقه، في تذكير بتواضع البابا وإنسانيته كخادم بسيط لله.

التابوت الثاني مصنوع من الرصاص، ثقيلٌ ومحكم الإغلاق، ويُستخدم عادة لدفن الملوك ورجال الدين الكبار، وتُنقش عليه رموز كنسية وتواريخ ووثائق خاصة بالبابا الراحل، ويُعتقد أن إغلاقه المحكم يبطئ عملية التحلل ويحفظ الوثائق التي تُوضع داخله.

أما التابوت الثالث، فهو من خشب الدردار الفاخر، ويُعتبر رمزًا لكرامة البابا ومكانته، ويُثبّت بالمسامير الذهبية، وتُوضع فيه أنبوبة نحاسية تحتوي على قائمة بإنجازات البابا وتُلف الحرير البنفسجي وتُغلق بالشمع، قبل أن يُنقل إلى مثواه في الفاتيكان.

ماذا بعد؟

مع وفاة البابا فرنسيس، ستُدفن جثامين الباباوات مستقبلًا في تابوت واحد فقط، مبطّن بالزنك ومحاط بالخشب، في كاتدرائية القديس بطرس، حيث يمكن للمؤمنين وداعهم ببساطة تليق بروح المسيحية.

هذا التحول، الذي بدأه فرنسيس، يعكس رؤيته بأن الحبر الأعظم ليس “رجلًا من هذا العالم” بل تلميذًا للمسيح وراعيًا للكنيسة، بعيدًا عن مظاهر السلطة الدنيوية.

وفي تصريح لافت، قال رئيس الاحتفالات الرسولية في الفاتيكان، المونسنيور دييغو رافيلي، إن فرنسيس “شدّد مرارًا على ضرورة تبسيط الطقوس كي تعكس إيمان الكنيسة بالقيامة، لا القوة الأرضية”.

ربما يعود البابا القادم إلى التقليد القديم، وربما لا، لكن المؤكد أن البابا فرنسيس، حتى في وداعه الأخير، حرص على أن يكون “بابا الناس” وليس سيدًا فوقهم.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *