ماذا حدث؟
في مطلع 2025، تصاعدت التوترات السياسية في تركيا مع سعي الرئيس رجب طيب أردوغان لتعزيز قبضته على السلطة عبر ثلاث استراتيجيات جريئة:
– أولاً، اعتقلت السلطات إكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الشعبي وزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، بتهم فساد، مما أثار احتجاجات هي الأكبر منذ مظاهرات جيزي بارك عام 2013.
– ثانيًا، تحالف أردوغان مع حزب الحركة القومية، وقد دعا حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (الكردي) للانضمام إلى ائتلاف برلماني، بهدف ضمان إعادة انتخابه عبر استغلال ثغرة دستورية أو تعديل الدستور.
– ثالثًا، استغل أردوغان نفوذ تركيا المتزايد في سوريا لإضعاف القوات الكردية، حيث وافق قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، على دمج قواته في الجيش السوري، في خطوة تخدم مصالح أنقرة.
وفي الوقت نفسه، يسعى أردوغان لتحسين علاقاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، آملاً في صفقة طائرات إف-35 دون التخلي عن منظومة إس-400 الروسية، مع الحفاظ على توازن دقيق مع إسرائيل وسوريا.
لماذا هذا مهم؟
يرى السفير الأمريكي السابق في أنقرة، روبرت بيرسون أن هذه التطورات تعكس طموح أردوغان لتكريس حكم مدى الحياة، لكنها تضعه في قلب دوامة من التحديات الداخلية والخارجية.
اعتقال إمام أوغلو، الذي يحظى بشعبية كبيرة، أشعل غضبًا شعبيًا وكشف عن هشاشة الديمقراطية التركية، حيث أظهرت استطلاعات الرأي تقدم حزب الشعب الجمهوري.
تحالف أردوغان المحتمل مع الحزب الكردي يثير تساؤلات حول مصداقيته، خاصة أن أنقرة تُصر على نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية، التي تربطها بالحزب العمال الكردستاني.
في سوريا، يواجه أردوغان تحديات معقدة: فمن جهة، يريد إعادة ملايين اللاجئين السوريين، ومن جهة أخرى، يثير ضغطه على الأكراد توترات مع إسرائيل، التي تدعم الأكراد والدروز، ومع الولايات المتحدة، التي تسعى لاستقرار سوريا.
أما علاقته مع ترامب فقد تمنحه هامشًا للمناورة، لكن إصراره على نشر منظومة إس-400 في سوريا يعرضه لخطر فقدان دعم واشنطن.
ويؤكد بيرسون أن هذه الاستراتيجيات، رغم طموحها، تعرض تركيا لمخاطر الانقسام الداخلي والعزلة الإقليمية.
ماذا بعد؟
وفق بيرسون، فإن مستقبل تركيا في 2025 يتوقف على قدرة أردوغان على التوفيق بين طموحاته وتحدياته.
داخليًا، استمرار قمع المعارضة قد يؤجج الاحتجاجات، خاصة إذا فشل تحالفه مع الأحزاب القومية والكردية في ضمان إعادة انتخابه.
في سوريا، نجاح اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية يعتمد على موافقة جميع الأطراف، وأي تأخير قد يعزز التوترات العرقية، مما يعرقل عودة اللاجئين.
على الصعيد الدولي، زيارة أردوغان المحتملة لواشنطن هذا الشهر قد تحدد مصير صفقة إف-35 وموقف الولايات المتحدة من دعمه لدمشق. لكن نشر إس-400 في سوريا قد يُغضب إسرائيل ويعقد الوساطة الأمريكية بين أنقرة وتل أبيب.
في المجمل، إذا أخفق أردوغان في تحقيق توازن بين دعم استقرار سوريا ومصالحه الأمنية، فقد يواجه تركيا صراعات إقليمية مع إسرائيل أو فقدان دعم الولايات المتحدة للأكراد.