الدولار يتراجع.. كيف أصبحت البنوك المركزية العالمية في ورطة؟

#image_title #separator_sa #site_title

ماذا حدث؟

شهد الدولار الأمريكي تراجعًا حادًا تجاوز 9% منذ بداية عام 2025، ما أشعل حالة من القلق بين البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم.

هذا الانخفاض جاء على خلفية حالة من الضبابية المحيطة بسياسات الحكومة الأمريكية، ما دفع المستثمرين إلى الهروب من الأصول المقومة بالدولار، خاصة سندات الخزانة.

نتيجة لذلك، ارتفعت قيمة عملات الملاذ الآمن مثل الين الياباني والفرنك السويسري واليورو، إضافة إلى عملات أخرى مثل الروبل الروسي والزلوتي البولندي، التي سجلت مكاسب ملموسة أمام الدولار.

ومع هذا التراجع، تواجه البنوك المركزية في الأسواق الناشئة مأزقًا حرجًا: هل تُقدِم على تخفيض قيمة عملاتها للحفاظ على تنافسية صادراتها، أم تحافظ على استقرار العملة وتتجنب مخاطر التضخم وهروب رؤوس الأموال؟

التقلبات التي أصابت عملات مثل الليرة التركية والدونغ الفيتنامي والروبية الإندونيسية تُبرز هشاشة تلك الاقتصادات أمام الضغوط العالمية المتصاعدة.

لماذا هذا مهم؟

الهبوط الحاد للدولار يمثل سيفًا ذا حدين، فمن جهة، هو بمثابة متنفس لعدة دول مثقلة بديون مقومة بالدولار، إذ تُصبح هذه الديون أقل تكلفة بالعملات المحلية.

كما أن ارتفاع قيمة العملة المحلية يُساهم في تخفيض كلفة الواردات، مما يمنح البنوك المركزية مساحة أكبر لخفض أسعار الفائدة وتنشيط النمو الاقتصادي.

لكن في المقابل، هناك مخاوف من أن يؤدي هذا التحول إلى فقدان القدرة التنافسية في التصدير، خاصة في ظل تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة التي بدأت بفرض رسوم جمركية جديدة.

كما يُحذر خبراء من أن خفض قيمة العملة طوعًا قد يؤدي إلى تفاقم التضخم وخروج رؤوس الأموال، ما قد يُعرض اقتصادات ناشئة مثل إندونيسيا وتركيا إلى مزيد من الاضطرابات.

وفي أوروبا، اتخذ البنك المركزي الأوروبي خطوة جريئة بخفض الفائدة، مستغلًا تراجع التضخم النسبي، بينما لا تزال دول مثل سويسرا تعاني من تداعيات الفرنك القوي، ما يُهدد تنافسية صادراتها التي تُشكّل أكثر من 75% من ناتجها المحلي.

ماذا بعد؟

المشهد الراهن يوحي بأن البنوك المركزية تسير على حبل رقيق، فهي من جهة تسعى لحماية استقرار الأسعار وتخفيف عبء الدين، ومن جهة أخرى تحاول تجنب إشعال حرب عملات جديدة قد تزيد من تقلبات الأسواق العالمية.

وفي هذا السياق، يرى بريندان مكينا المحلل في بنك ويلز فارجو أن الاتجاه السائد حاليًا هو تجنب خفض قيمة العملة بشكل علني، تفاديًا لاتهامات بالتلاعب أو التسبب في ردود فعل تجارية عدائية من قِبل الولايات المتحدة.

المستقبل يعتمد إلى حد كبير على مسار المفاوضات التجارية العالمية، فإذا نجحت الدول الكبرى في تخفيض الرسوم الجمركية والتوترات، فقد تتمكن البنوك المركزية من الحفاظ على استقرار عملاتها دون الحاجة لسياسات جذرية، أما إذا تصاعدت الحمائية، فقد تجد نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات حاسمة، قد تُعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي لعقود قادمة.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *