الحرب الصامتة.. ماذا يحدث في الضفة الغربية؟

العنف في الضفة الغربية

ماذا حدث؟

في ظل انشغال العالم بالحرب الدامية في غزة، تتصاعد في الضفة الغربية حرب من نوع آخر، أقل صخبًا لكنها لا تقل خطورة.

خلال الأشهر الأولى من عام 2025، شهدت الضفة الغربية ارتفاعًا حادًا بنسبة تقارب 30% في هجمات المستوطنين المتطرفين من اليمين الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.

المفارقة المثيرة أن هذا التصاعد في العنف تزامن مع انخفاض ملحوظ في العمليات الفلسطينية، حيث تراجعت الهجمات الكبيرة إلى ست شهريًا فقط، بعد أن كانت تصل إلى أربع وعشرين خلال نفس الفترة في عام 2024.

تقول نيومي نيومان زميلة الرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في جهاز الأمن العام الإسرائيلي إن هذه المعادلة المعكوسة تُفند الادعاء بأن عنف المستوطنين هو رد فعل على الهجمات الفلسطينية، بل يكشف نمط العنف الحالي، لا سيما من قبل جماعة “شباب التلة”، عن استراتيجية أعمق وأقدم تهدف إلى فرض وقائع على الأرض، من خلال طرد الفلسطينيين وتعزيز الوجود اليهودي، خاصة في المناطق المصنفة “ج” التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، والمناطق “ب” ذات الإدارة المدنية الفلسطينية.

لماذا هذا مهم؟

تاريخيًا، لم تكن هذه الهجمات جديدة؛ فمنذ الثمانينيات، سُجلت أعمال عنف منظمة من قبل مستوطنين متطرفين، وتطورت في تسعينيات القرن الماضي بإنشاء بؤر استيطانية غير مرخصة تحولت لاحقًا إلى منصات للعنف المنهجي ضد السكان الفلسطينيين.

جماعة “شباب التلة “، والتي تتكون في الغالب من مراهقين ومتعلمين تعليمًا غير تقليدي، تعيش في مزارع ومستوطنات نائية وتتبنى نهجًا متطرفًا في رفض سلطة الدولة والدين والأسرة.

الخطورة تكمن في أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، بدلًا من كبح جماح هذه الجماعات، تقدم لها الدعم العلني، ففي احتفال رسمي هذا الشهر، سلّم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزيرة المهام القومية أوريت ستروك معدات أمنية لمزارع في جنوب الخليل، بميزانية تجاوزت 75 مليون شيكل.

هذا الدعم الحكومي يفسر لماذا تمكنت هذه الجماعات من ارتكاب أعمال تخريب، وتسميم مصادر المياه، وإحراق الحقول، والاعتداء بالسلاح الأبيض، بل وأحيانًا بالأسلحة النارية القانونية، دون محاسبة تُذكر.

في بعض الحالات، وُثقت مشاركة أو صمت جنود من الجيش الإسرائيلي خلال هذه الهجمات، مما يعكس انقسامات داخل المؤسسة الأمنية، خاصة وأن نسبة لا بأس بها من الجنود هم أنفسهم من سكان المستوطنات.

ماذا بعد؟

رغم أن الضفة الغربية لم تكن ساحة رئيسية في الحرب الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر، إلا أن العنف المتصاعد فيها قد يفتح جبهة داخلية لا تقل خطرًا عن غزة أو الشمال، فالتهديد هنا مزدوج: أولًا، إن استمرار عمليات الطرد والعنف قد يشعل انتفاضة شعبية جديدة، وثانيًا، قد يؤدي ذلك إلى أزمات دبلوماسية مع المجتمع الدولي، خصوصًا في ظل تغير الموقف الأميركي بعد رفع إدارة ترامب العقوبات عن كيانات متورطة في عنف المستوطنين.

إن ما يجري في الضفة ليس مجرد أحداث فردية، بل هو مشهد متكامل من التهجير الممنهج والتواطؤ المؤسسي، يهدد بتغيير ديموغرافي وجغرافي شامل يُصعّب أي تسوية مستقبلية.

وفي ظل غياب إرادة حقيقية لوقف هذه الانتهاكات، تبقى الضفة الغربية على شفا انفجار جديد.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *