فضيحة برافدا.. كيف تُسمّم روسيا نماذج الذكاء الاصطناعي وتُعيد كتابة ويكيبيديا؟

برافدا

ماذا حدث؟

في خضم حربها المستمرة في أوكرانيا، وعلى مدار السنوات الثلاث الأخيرة، طورت روسيا حملة تأثير عالمية غير مسبوقة.

لم تقتصر هذه الحملة على البروباغندا التقليدية، بل تسللت إلى أوسع المنصات تأثيرًا في العصر الرقمي: ويكيبيديا وأدوات الذكاء الاصطناعي.

ففي الوقت الذي كانت تدور فيه الحملات الانتخابية في رومانيا ومولدوفا، وتُعقد فيه النقاشات السياسية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كانت شبكة من البوابات الإخبارية الزائفة المؤيدة لروسيا تعمل على ضخ محتوى موجه يهدف إلى غسل الأخبار الصادرة من وسائل إعلام روسية خاضعة لعقوبات دولية، ونشرها في مصادر عالمية موثوقة.

تُعرف هذه الشبكة باسم “برافدا”، وقد أُطلقت رسميًا عام 2014، واستهدفت أكثر من 80 دولة حول العالم، وفقًا لما كشفه مركز “فيجينوم” الفرنسي المختص في رصد المعلومات المضللة، وهو ما أكدته لاحقًا تحقيقات معمقة أجراها مختبر الأبحاث الجنائية الرقمية التابع للمجلس الأطلسي (DFRLab)، حيث تبيّن أن هناك صلة مباشرة بين هذه الشبكة وشركة تقنية معلومات مقرها شبه جزيرة القرم.

لماذا هذا مهم؟

ما يجعل هذه الفضيحة خطيرة وغير مسبوقة، هو أن روسيا لم تعد تكتفي بالتأثير عبر قنوات الإعلام التقليدي أو حملات إلكترونية مشبوهة، بل انتقلت إلى تسميم أدوات المعرفة ذاتها.

ويكيبيديا- أحد أكثر مصادر المعلومات استخدامًا عالميًا- أصبحت مسرحًا لزرع الرواية الروسية حول الحرب في أوكرانيا، مستخدمة بوابات زائفة تتقمص هيئة مواقع إخبارية موثوقة لتعديل المحتوى الموسوعي بصورة تدريجية وخبيثة.

الأخطر من ذلك، أن هذه المحتويات المضللة أصبحت مرجعًا رئيسيًا لنماذج الذكاء الاصطناعي، مثل تلك المستخدمة في روبوتات المحادثة الذكية.

مع ازدياد اعتماد الناس على أدوات الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قراراتهم أو لفهم الأحداث الجارية، فإن تسلل الرواية الروسية إلى بيانات تدريب هذه النماذج يهدد بتشكيل وعي منحاز، يُظهر الكرملين كضحية، ويُجرّم أوكرانيا والغرب.

ماذا بعد؟

هذه الفضيحة التي كشفت عنها DFRLab بالتعاون مع شركة “تشيك فيرست” الفنلندية، فتحت الباب أمام أسئلة جوهرية حول شفافية تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وآليات التحقق من مصادر المعلومات المستخدمة في تغذيتها.

أطلقت المنظمتان لوحات بيانات تفاعلية ومجموعة تحقيقات موسعة تسلط الضوء على حجم اختراق شبكة “برافدا” وتأثيرها العالمي، متاحة للباحثين وصناع القرار والمستخدمين على حد سواء.

ومع اقتراب عام انتخابي محوري في عدة دول، يبدو أن المعركة المقبلة لن تُحسم في ميادين القتال، بل في صفحات ويكيبيديا وأكواد الذكاء الاصطناعي.

هنا يكمن التحدي الأكبر: كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يواجه هذه الحرب الرقمية الجديدة التي تعيد صياغة الحقيقة نفسها؟ هل ستكفي التدابير التقنية والقانونية لكشف التلاعب الروسي؟ أم أننا بحاجة إلى ثورة معرفية تضع الحقائق في مواجهة الخدع الرقمية؟

في النهاية، تبقى الحقيقة أولى ضحايا الحروب، ولكن في عصر الذكاء الاصطناعي، فإن إعادة كتابتها قد تكون أخطر من فقدانها.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *