ماذا حدث؟
لأول مرة منذ أربع سنوات، عادت إيران والولايات المتحدة إلى طاولة الحوار، وهذه المرة من بوابة سلطنة عُمان، وسط أجواء مشحونة وحذرة.
التصريحات النارية سبقت اللقاءات؛ إذ أكد الرئيس الإيراني مسعود پزشكيان أن بلاده “لا تسعى للحرب لكنها لن تتهاون مع أي عدوان”، في حين هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلاً: “إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فسيكون هناك قصف”، لكن هناك تصريحات إيجابية صدرت بعد اللقاء، حتى إن الجولة الثانية للمفاوضات انطلقت في روما.
التوتر اللفظي الذي سبق المفاوضات عكس أكثر من 40 عامًا من العداء المتبادل، لكن خلف الكواليس، هناك مؤشرات على تحولات استراتيجية تدفع الطرفين نحو حوار جاد هذه المرة.
لماذا هذا مهم؟
الظروف تغيرت جذريًا عن عام 2015 حين وُقّع الاتفاق النووي الشهير (JCPOA).
إيران، التي كانت تملك أوراق قوة حينها، أصبحت اليوم في موقف أضعف بكثير، فانهيار حلفاء طهران الإقليميين – من حماس إلى حزب الله وسوريا – حرمها من ما كانت تعتبره “محور المقاومة”، فيما تعاظم الضغط الدولي بعد تجاوز الخطوط الحمراء في المواجهة المباشرة مع إسرائيل عام 2024.
اقتصاديًا، تعيش إيران أسوأ أزماتها منذ الحرب مع العراق، مع انهيار الريال وتفاقم البطالة والتضخم، ما دفع القيادة الإيرانية نحو خيارات أكثر براغماتية.
على الجانب الآخر، يبدو أن واشنطن تدرك أن سياسة “الضغط الأقصى” وحدها لم تُجدِ، وأن لحظة التفاوض قد تكون فرصة حقيقية لاحتواء أحد أخطر ملفات الشرق الأوسط.
كما أن الولايات المتحدة تخشى أن تؤدي الضغوط المفرطة إلى انزلاق إيران مجددًا نحو التصعيد أو تعزيز تحالفاتها مع خصوم واشنطن مثل روسيا والصين.
ماذا بعد؟
يبدو أن إيران باتت مستعدة للحديث عن ملفات تتجاوز البرنامج النووي، وتشمل النفوذ الإقليمي وحتى العلاقات مع السعودية والعراق.
تيار جديد داخل طهران، يمثله محللون مثل ناصر هاديان، يدفع باتجاه “انخراط شامل” مع الولايات المتحدة، يضع مصلحة الدولة فوق مشاريع أيديولوجية مثل دعم الميليشيات المسلحة.
في المقابل، لا تزال الحرس الثوري الإيراني يرفض تقديم تنازلات تمس “قدرات إيران الدفاعية”، لكنه يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية لا يمكن تجاهلها.
الرئيس ترامب، المعروف بنهجه المتقلب، قد يرى في هذه اللحظة فرصة لتسجيل إنجاز دبلوماسي كبير خلال ولايته الثانية، لكن إذا انزلقت واشنطن مجددًا نحو مطالب قصوى – كمنع إيران من أي قدرة على تخصيب اليورانيوم، كما تقترح إسرائيل – فقد تنهار المفاوضات سريعًا.
نحن أمام مفترق طرق حاسم؛ فرصة حقيقية لتغيير مسار العلاقات الإيرانية الأمريكية، وربما لطيّ صفحة أربعة عقود من التصعيد. لكن هذه الفرصة محفوفة بالمخاطر، وتحتاج إلى واقعية دبلوماسية من الطرفين، وإدراك بأن تفويتها لن تكون له عواقب على المنطقة فحسب، بل على العالم بأسره.