ماذا حدث؟
شهدت مصر أزمة غذائية مفاجئة أثارت جدلاً واسعاً، بعدما كشفت حملات تفتيش صحية شاملة عن وجود مخالفات خطيرة داخل عدد من أشهر سلاسل المطاعم والحلويات، في مقدمتها سلسلة “بلبن”، التي انتشرت فروعها بشكل لافت في معظم المحافظات، وبعض الدول العربية.
الهيئة القومية لسلامة الغذاء، بالتنسيق مع أجهزة رقابية، أطلقت سلسلة مداهمات للمصانع والفروع التجارية التابعة لعدة علامات شهيرة مثل “بلبن”، و”كرم الشام”، و”كنافة وبسبوسة”، و”وهمي”، و”عم شلتت”، إثر بلاغات من مواطنين أفادت بإصابة بعضهم بحالات تسمم حادة بعد تناول منتجاتهم.
وأسفرت التحاليل المعملية التي أجريت على عينات عشوائية من المنتجات والخامات المستخدمة، عن نتائج صادمة؛ حيث تبين وجود بكتيريا مسببة للتسمم تؤثر مباشرة على الجهاز الهضمي، فضلًا عن استخدام ألوان صناعية محظورة دوليًا، وتخزين غير آمن يهدد بفساد المواد الغذائية.
نتيجة لذلك، تم إصدار قرارات عاجلة بإغلاق 110 فرعًا من فروع “بلبن” على مستوى الجمهورية، بالإضافة إلى تعليق أنشطة مصانعها ومنشآتها، بعدما أغلقت السلطات السعودية عدة فروع لـ”بلبن” بعد حالات تسمم غذائي..
الشركة المالكة لـ”بلبن” بدورها أصدرت بيانًا عاجلاً ناشدت فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخل العاجل لإنقاذ نشاطها، محذّرة من تهديد مصادر رزق أكثر من 25 ألف عامل داخل وخارج البلاد، فضلًا عن تأثير الأزمة على سلاسل الإمداد والموردين المحليين والعلامة التجارية المصرية التي تمثلها في تسع دول عربية.
لماذا هذا مهم؟
ما حدث مع “بلبن” تجاوز كونه حادثًا صحيًا طارئًا، ليتحول إلى قضية رأي عام مست الأمن الغذائي، وسلط الضوء على خلل عميق في الرقابة الغذائية، وقصور في تطبيق اشتراطات السلامة لدى مؤسسات يفترض أنها تلتزم بأعلى معايير الجودة.
الأزمة أثارت تساؤلات حول فاعلية الأجهزة الرقابية، وأعادت إلى الأذهان أهمية الدور الحكومي في حماية المستهلك المصري من التلاعب بصحته، خصوصًا حين يتعلق الأمر بمنتجات غذائية تستهلك يوميًا في منازل آلاف الأسر.
كما أن اتساع نطاق المشكلة ليشمل مطاعم وسلاسل تجارية معروفة، يضع مستقبل قطاع الحلويات والمأكولات الجاهزة في دائرة المراجعة، سواء من حيث القوانين الناظمة أو طرق إصدار التراخيص ومتابعة الأداء، وهو ما يجعل من هذه الأزمة نموذجًا لحالة خلل هيكلي تتطلب إصلاحًا جذريًا.
وما زاد من خطورة المشهد أن تقارير رسمية كشفت أن بعض الفروع كانت تعمل دون تراخيص قانونية، الأمر الذي يطرح تساؤلات محرجة حول كيفية السماح بنمو وانتشار تلك الكيانات من الأساس، دون رقابة كافية.
ماذا بعد؟
في ضوء التداعيات الخطيرة لأزمة “بلبن”، يبدو أن الحكومة المصرية تتجه إلى تشديد القبضة على سوق الغذاء والمطاعم في البلاد، فقد بات من الضروري، وفق ما تشير إليه المؤشرات الحالية، إعادة هيكلة نظام التفتيش الغذائي وتعزيز القدرات الرقابية وتطبيق معايير صارمة في منح التراخيص ومتابعة المنشآت.
وفي هذا السياق، من المرجح أن تلجأ السلطات إلى فرض فترة إغلاق مؤقتة للمراجعة والتقويم، تليها خطة إصلاحية لإعادة تشغيل الفروع المتوافقة مع معايير السلامة، مع فتح تحقيقات موسعة قد تطال مسؤولين عن منح التراخيص أو التستر على المخالفات.
وفيما يبدو أنه بداية لانفراج الأزمة، أعلنت “بلبن” تلقيها دعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسي لعقد اجتماع عاجل مع الجهات المختصة، للالتزام الكامل بمعايير السلامة داخل السوق المصري تحت إشراف كامل من الجهات المختصة، مع الالتزام بجميع اشتراطات السلامة والمعايير المنظمة للعمل داخل السوق المصري.
وأكدت “بلبن” التزامها بكل ما يصدر عن الجهات الرقابية، واستعدادها المستمر لتصحيح أي ملاحظات، والعمل بكل شفافية وتعاون لتقديم منتج يليق بالمستهلك المصري.