إلى أي مدى تستطيع الولايات المتحدة تحمل الحرب التجارية؟

الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة

ماذا حدث؟

تصاعدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى مستويات غير مسبوقة، بعد أن قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى ما يصل إلى 145%، ردًا على زيادة بكين رسومها على المنتجات الأمريكية إلى 125%.

هذه التطورات جاءت بعد فشل المراهنات الأمريكية على رغبة الصين في التفاوض، ورفض الأخيرة لما اعتبرته “ابتزازًا أمريكيًا”.

الرد الصيني جاء حاسمًا: “إذا أصرت الولايات المتحدة على موقفها، فإن الصين ستقاتل حتى النهاية”.

تصريحات قوية صدرت من وزارة التجارة الصينية، عززها مقطع مصور للرئيس شي جين بينغ يؤكد فيه أن “الترهيب أو الضغط لن يجدي نفعًا مع الأمة الصينية”، في إشارة مباشرة إلى التاريخ الصيني في مقاومة العدوان، بدءًا من الحرب الكورية إلى جائحة كوفيد-19.

وبينما تواجه الإدارة الأمريكية ضغوطًا داخلية متزايدة خشية حدوث تضخم وفقدان وظائف، تتحصن الصين خلف عقيدة “تَحمُّل المرارة” (Chiku)، وهي ثقافة متجذّرة تعبّر عن استعداد الشعب الصيني لتحمل المعاناة من أجل الأهداف الوطنية الكبرى.

لماذا هذا مهم؟

أهمية ما يجري لا تكمن فقط في الأرقام المتبادلة من الرسوم، بل في التحول العميق الذي تشهده العلاقة الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم.

الصين لم تعد تراهن على تقارب اقتصادي مع الغرب، بل عملت خلال السنوات الماضية على تقليص اعتمادها على الأسواق الأمريكية، حيث انخفضت صادراتها للولايات المتحدة من 19.2% عام 2018 إلى 14.7% عام 2024، بينما ارتفعت صادراتها إلى دول جنوب شرق آسيا ومبادرة الحزام والطريق.

في المقابل، وجدت واشنطن نفسها في مواجهة خصم أعدّ نفسه جيدًا: بكين أعادت توجيه وارداتها من السلع الأساسية مثل فول الصويا إلى البرازيل، وزادت من اكتفائها الذاتي الغذائي، بل واستهدفت ولايات أمريكية داعمة لترامب بفرض رسوم على القمح ولحوم البقر والخنزير.

الصين أيضًا وسّعت أدواتها الانتقامية بإدراج شركات أمريكية مثل Skydio على قوائم “الكيانات غير الموثوقة”، وفرض قيود على صادرات المعادن النادرة الحيوية في الصناعات الدفاعية والإلكترونية. كما حذّرت الشركات الأمريكية من الضغط على الموردين الصينيين لخفض الأسعار، وعلّقت الاستثمارات المتجهة للولايات المتحدة.

ماذا بعد؟

السؤال الذي يفرض نفسه الآن في واشنطن: إلى أي مدى يمكن للأمريكيين تحمّل “المرارة” الاقتصادية؟.

بينما تعتمد الصين على صبر شعبها وثقافة التضحية الجماعية، تعاني الولايات المتحدة من ضغوط سياسية وشعبية قد تجعل من استمرار الحرب التجارية مغامرة سياسية محفوفة بالمخاطر، خاصة مع اقتراب الانتخابات.

من ناحية أخرى، تبدو الصين غير متعجلة للوصول إلى تسوية، بل تنظر إلى الحرب التجارية كجزء من صراع وجودي أوسع على الزعامة العالمية، اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا.

كما أن مساعيها لإعادة التوازن الاقتصادي نحو الاستهلاك المحلي يمنحها مجالًا للمناورة، ومرونة أكبر في التكيّف مع الضغوط.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *