ماذا حدث؟
في خطوة تاريخية المشهد السياسي في كوريا الجنوبية رأسًا على عقب، أيدت المحكمة الدستورية في الرابع من أبريل قرار البرلمان بعزل الرئيس يون سوك يول، مؤكدة أن قراره بإعلان الأحكام العرفية في ديسمبر الماضي تجاوز حدود صلاحياته الدستورية.
هذا القرار لم يكن مجرد نهاية لمسيرة رئيس، بل فتح الباب أمام محاكمة جنائية بتهمة “التمرد”، إثر محاولته فرض الأحكام العرفية كوسيلة للتشبث بالسلطة.
ولم تقف التهم عند هذا الحد، إذ يواجه يون أيضًا تحقيقًا منفصلًا بتهمة عرقلة تنفيذ أمر اعتقاله، بعد أن منع جهازه الأمني الشرطة من تفتيش مقر إقامته.
وفقد يون كافة الامتيازات الرئاسية، بما في ذلك الإقامة الرسمية وحق الدفن في المقبرة الوطنية، ما يعكس حجم السقوط السياسي الذي تعرض له.
لماذا هذا مهم؟
عزل يون سوك يول لا يمثل فقط زلزالًا دستوريًا، بل يكشف عن مدى الانقسام السياسي والاجتماعي العميق الذي ينهش جسد كوريا الجنوبية، فمنذ بدء إجراءات عزله، تشهد البلاد انقسامًا حادًا بين أنصاره الذين يرون فيه ضحية لمؤسسة سياسية “مخترقة من اليساريين”، وبين معارضيه الذين يطالبون بمحاسبته على “خيانة الدستور”.
هذا الاستقطاب تجلى في احتجاجات أسبوعية متبادلة، ومواقف متقلبة حتى داخل حزبه المحافظ “قوة الشعب”.
وعلى الجانب اليميني المتشدد، انقسمت الشخصيات المؤثرة، فبينما رفض القس البروتستانتي جيون كوانغ هون الحكم ودعا لمواصلة “المقاومة”، اختار آخرون، مثل جيون هان-غيل، قبول القرار والاستعداد للانتخابات الرئاسية المبكرة.
أما حزب يون نفسه، فقد اضطر إلى الاعتراف الرسمي بقرار المحكمة، في خطوة تؤشر إلى بداية تفكك الدعم الداخلي حوله.
ماذا بعد؟
تتجه الأنظار الآن إلى الثالث من يونيو، موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة التي ستحدد ملامح المرحلة المقبلة.
في ظل غياب مرشح واضح في معسكر الحزب الحاكم، يتوقع دخول أكثر من عشرة سياسيين السباق، من بينهم وزير العمل كيم مون-سو، وعمدة دايغو هونغ جون-بيو، والسياسي التقني آن تشول-سو.
وعلى الجهة المقابلة، يتقدم لي جاي-ميونغ، زعيم الحزب الديمقراطي المعارض، كأبرز المرشحين، لا سيما بعد خسارته بفارق ضئيل أمام يون في انتخابات 2022، رغم تعرضه لمحاولة اغتيال في 2024.
لكن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في اختيار رئيس جديد، بل في رأب صدع مجتمع منقسم بشدة بين الأجيال، وبين الجنسين، وحتى داخل الأسرة السياسية الواحدة، فالبلاد تواجه تحديات مصيرية: من أدنى معدل مواليد في العالم، إلى ارتفاع معدلات الانتحار، وانفجار أسعار العقارات. كلها مؤشرات تؤكد أن المهمة القادمة للرئيس الجديد لن تكون سهلة، وأن إعادة بناء الثقة الوطنية ستكون أولوية لا تقبل التأجيل.