أوراق بكين للضغط على ترامب في الحرب التجارية

#image_title #separator_sa #site_title

ماذا حدث؟

في خطوة مفاجئة وصادمة للأسواق العالمية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 9 أبريل رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى نسبة غير مسبوقة بلغت 125%.

وبينما منح باقي شركاء التجارة العالميين مهلة 90 يومًا قبل تطبيق زيادات جمركية مماثلة، لم تحظَ الصين بهذا الاستثناء،  وبرر ترامب قراره بأن “بكين لا تحترم قواعد السوق العالمية”.

الرد الصيني لم يتأخر، فبعد يومين فقط، وصفت الحكومة الصينية الخطوة بأنها “مزحة”، وردت برفع الرسوم على السلع الأميركية إلى نفس النسبة: 125%.

التصعيد المتبادل فتح أبواب مواجهة تجارية شرسة بين أكبر اقتصادين في العالم، وعلى عكس رد الفعل المعتاد من بعض الدول التي فضّلت التهدئة، بادرت بكين بردود فعل سريعة وحاسمة، وأظهرت استعدادًا كاملًا للمواجهة، رافضة العودة إلى طاولة المفاوضات وفق الشروط الأميركية.

لماذا هذا مهم؟

تكمن خطورة المواجهة الراهنة في أن الصين لم تعد تدخل الحرب التجارية من موقع الضعف كما حدث في 2018، فقد تغيّرت موازين القوة الاقتصادية بشكل جوهري.

انخفضت نسبة صادرات الصين إلى الولايات المتحدة من 19.8% في 2018 إلى 12.8% فقط في 2023، ما جعل بكين أقل اعتمادًا على السوق الأميركية.

كما أدى التباطؤ الاقتصادي الداخلي إلى تعوّد الشركات الصينية على بيئة اقتصادية صعبة، ما منحها مرونة أكبر في مواجهة الصدمات.

وما يزيد الموقف تعقيدًا أن الصين تمتلك أدوات ضغط حقيقية على الاقتصاد الأميركي. فهي تسيطر على 72% من واردات الولايات المتحدة من المعادن الأرضية النادرة، الحيوية في الصناعات العسكرية والتكنولوجيا، وقد وضعت مؤخرًا 27 شركة أميركية – معظمها من شركات الدفاع والتقنية – على قائمة الرقابة على الصادرات.

كما بكين سحبت تراخيص ثلاثة من كبار مصدري فول الصويا الأميركيين، ضاربة في عمق الولايات ذات الميول الجمهورية التي يعتمد عليها ترامب انتخابيًا.

التأثير لا يقتصر على السلع فقط، بل يشمل سلاسل التوريد، حيث لا تزال العديد من المنتجات المستوردة إلى أميركا – حتى من دول ثالثة – تعتمد على مكونات صينية.

كما أن شركات كبرى مثل “آبل” و”تسلا” ستتضرر بشدة من أي اضطرابات في التصنيع الصيني، ما قد يدفع بعض كبار رجال الأعمال داخل الإدارة الأميركية إلى الضغط على ترامب لتخفيف حدّة التصعيد.

ماذا بعد؟

الصين لا تكتفي بمجرد الرد على الإجراءات الأميركية، بل تسعى لاستغلال اللحظة لصالحها. فهي تنظر إلى الحرب التجارية كفرصة لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية، خصوصًا في منطقة شرق آسيا.

في خطوة رمزية وقوية، استأنفت بكين حوارًا اقتصاديًا مع اليابان وكوريا الجنوبية لأول مرة منذ خمس سنوات، بهدف الدفع باتفاقية تجارة حرة ثلاثية قد تُضعف النفوذ الأميركي في المنطقة.

كما أن بكين تُكثف تحركاتها في جنوب شرق آسيا، حيث يزور الرئيس شي جين بينغ دولًا مثل فيتنام وماليزيا وكمبوديا لتعزيز التعاون، وهي نفسها الدول التي طالتها الرسوم الأميركية المؤجلة.

وحتى على الساحة الأوروبية، تُبدي الصين رغبة في توطيد علاقتها بالاتحاد الأوروبي، الذي أعلن عن رسوم انتقامية على بضائع أميركية بقيمة 20 مليار يورو، لكنه علّق التنفيذ ترقبًا.

الأهم من ذلك، أن الحرب التجارية تهدد بمزيد من فقدان الثقة في الدولار الأميركي، وتُضعف مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية عالميًا، في وقت تتجه فيه الصين لبناء شراكات أوسع، وتحقيق هدفها القديم في إزاحة الهيمنة الأميركية.

وبينما ظن ترامب أن رفع الرسوم الجمركية سيجبر الصين على الرضوخ، يبدو أن بكين باتت أكثر استعدادًا وتحصينًا، وتمتلك ترسانة اقتصادية ودبلوماسية قد تحول الحرب التجارية إلى نقطة انطلاق لحقبة جديدة من التوازنات الدولية.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *