من يستطيع إنقاذ النظام الاقتصادي العالمي من الحرب التجارية؟

#image_title

ماذا حدث؟

شهد العالم في الأيام الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في التوترات الاقتصادية العالمية، يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أطلق ما يشبه “حربًا تجارية شاملة” دون حلفاء.

بينما وصف مستشاره التجاري، بيتر نافارو، الرسوم الجمركية الجديدة بأنها محاولة لإصلاح نظام تجاري مكسور، رأى آخرون، مثل الصحفي غيديون راشمان، أن ترامب يتصرف كزعيم مافيا عالمي، يستخدم التهديدات والترغيب في إدارة علاقات التجارة الدولية.

وفي مفارقة لافتة، نشرت صحيفة فايننشال تايمز مقالتين متضادتين تمامًا؛ إحداهما لنافارو تصف الرسوم الجمركية بأنها وسيلة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من عقود من الظلم التجاري، والأخرى تهاجم أسلوب ترامب وافتقاره لحلفاء، في ظل سوق عالمي يزداد اضطرابًا وانهيارًا.

تعبير راشمان عن “عبق دون كورليوني” في البيت الأبيض، لم يكن فقط تشبيهًا سينمائيًا، بل قراءة سياسية لأزمة تتفاقم يومًا بعد آخر.

لماذا هذا مهم؟

هذه الحرب التجارية ليست مجرد مناوشات اقتصادية، بل أزمة تهدد الاستقرار المالي العالمي بأسره. ووفقًا لتحليل مجلس الأطلسي، فإن ما يجعل الموقف الحالي أكثر خطورة من أزمات 2008 أو جائحة كوفيد-19 هو غياب أدوات التنسيق الدولي، مثل تفعيل مجموعة العشرين أو تدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، اللذَين نجحا سابقًا في احتواء الكوارث الاقتصادية.

أما اليوم، فلا “لحظة لندن” تلوح في الأفق، ولا رغبة لدى الولايات المتحدة في قيادة تحالف إنقاذ اقتصادي، خاصة وأنها هي من أطلقت شرارة الأزمة برسوم قد تقفز من 2.5٪ إلى أكثر من 20٪ خلال عام.

ومع تمسك ترامب بعقيدته الحمائية وغياب الدعم الدولي، فإن الأسواق تعاني، والمستثمرون يفرون، والمصانع تتوقف.

وفي حين يرى البعض أن ترامب يستخدم الرسوم كورقة تفاوض في إطار “فن الصفقة”، فإن رد الفعل العالمي المتحفظ، وتصريحات نافارو الحاسمة التي تصف الأزمة بأنها “حالة طوارئ وطنية”، يؤكدان أن المسألة أبعد من مجرد مناورة تفاوضية.

ماذا بعد؟

المشهد القادم يبدو قاتمًا، إذ لن تكون هناك مبادرات منسقة بين القوى الاقتصادية الكبرى، ولا مساندة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي يتمسك بموقفه الحذر بقيادة جيروم باول، رافضًا خفض الفائدة استباقيًا رغم ضغوط ترامب.

بل يرى باول أن خفض الفائدة قد يؤدي إلى تفاقم التضخم في ظل تباطؤ النمو، ما يعني احتمال دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة “ركود تضخمي” يصعب التحكم فيه.

وفي الوقت الذي قد تبادر فيه بنوك مركزية في أوروبا وكندا إلى خفض الفوائد لحماية اقتصاداتها، ستبقى الولايات المتحدة بوضع نقدي أكثر تشددًا، ما قد يزيد من عزلة سياستها التجارية والنقدية.

والمفارقة أن ترامب، الذي عين باول، قد يجد نفسه في مواجهة مفتوحة مع الرجل الذي يرفض “إنقاذه” من أزمة صنعها بنفسه.

العالم يراقب، والمستقبل القريب يحمل اختبارات صعبة للنظام المالي العالمي.. فهل ينهار النظام الاقتصادي الدولي تحت وطأة قرارات أحادية؟ أم هل تظهر معجزة سياسية تعيد ترتيب الأوراق قبل فوات الأوان؟.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *