ماذا حدث؟
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، تعرضت مصر لضغوط هائلة، دبلوماسية واقتصادية وأمنية، لإجبارها على فتح حدودها واستقبال الفلسطينيين المهجّرين.
قادت إسرائيل هذه المحاولات بدعم أمريكي مباشر وغير مباشر، بدءًا من مساعٍ داخل الاتحاد الأوروبي، وصولًا إلى ضغوط متزايدة من إدارة واشنطن.
وتفاقم الضغط مؤخرًا بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي اقترحت أن تصبح مصر والأردن مستقرًا دائمًا للفلسطينيين، وهو ما وصفه خبراء كثر بأنه محاولة للتطهير العرقي.
كما أثار المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، استياء المصريين بتصريحات وصف فيها مصر بأنها “مفلسة وتحتاج إلى المساعدة”، في سياق محاولة لربط الوضع الاقتصادي بقبول تهجير الفلسطينيين.
لماذا هذا مهم؟
رفض مصر القاطع لتهجير الفلسطينيين لا ينبع فقط من مواقف سياسية، بل من حسابات معقدة تتعلق بالأمن القومي، والسيادة، والرأي العام، فاستقبال أكثر من مليوني فلسطيني دون آلية فحص دقيقة يهدد بفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل من الأراضي المصرية، مما قد يجرّ القاهرة إلى مواجهة عسكرية غير مرغوبة.
كما أن احتمال تسلل عناصر من حركة حماس إلى سيناء يعيد للأذهان سنوات الصراع الدموي مع تنظيم “ولاية سيناء”، الذي كلّف مصر أكثر من 3,000 شهيد حتى استعاد الجيش السيطرة النسبية على المنطقة.
الدافع الأهم لرفض مصر هو حساسية الشارع المصري تجاه القضية الفلسطينية، حيث يشكل الدعم الشعبي العميق للفلسطينيين حائط صد داخليًا يمنع الحكومة من أي تهاون قد يُنظر إليه على أنه تواطؤ مع مخططات تهجير، خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المواطن المصري العادي، وارتفاع الأسعار، وتقلّص الدعم الاجتماعي، فقبول التهجير سيُنظر إليه كخيانة للمبدأ القومي والديني والإنساني، وسيفجّر الغضب الشعبي في وجه النظام.
ماذا بعد؟
من الواضح أن سياسة “الضغط مقابل الإذعان” التي تتبعها الولايات المتحدة ستبوء بالفشل في هذه القضية، فالمعونة العسكرية الأمريكية التي تُستخدم كورقة ضغط هي، في معظمها، موجهة لشراء أسلحة أمريكية، وليست كافية لتغيير موقف سيادي بحجم قضية فلسطين.
والأسوأ، أن التهديدات العلنية قد تدفع القاهرة إلى تعميق شراكاتها مع أطراف دولية أخرى كالصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي، بعيدًا عن المحور الأمريكي.
ويرى معهد الشرق الأوسط أن محاولة دفع مصر لقبول تهجير الفلسطينيين يعني وضع استقرار دولة محورية على المحك، ففالقاهرة ليست مجرد جار جغرافي لغزة، بل شريك استراتيجي للولايات المتحدة، وحلقة وصل حيوية في الأمن الإقليمي ومرور التجارة العالمية عبر قناة السويس.
ويكشف أن أي تصعيد أو ضغط غير محسوب قد يفضي إلى نتائج عكسية، ويزيد من توتر منطقة تعاني أصلًا من الانفجار.