ماذا حدث؟
فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم بإعلانه أن الولايات المتحدة وإيران على وشك بدء مفاوضات مباشرة بشأن برنامج طهران النووي، مؤكداً أن “اللقاء الكبير” سيُعقد يوم السبت على مستوى رفيع.
إلا أن هذا التصريح لم يمرّ دون اعتراض من طهران، حيث نفى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأمر، مؤكدًا أن المحادثات ستكون غير مباشرة وستُعقد في سلطنة عمان، بوساطة وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي.
وأشار عراقجي إلى أن “الكرة الآن في ملعب أمريكا”.
وفي الوقت نفسه، لوّح ترامب بخطر كبير قد يُحدق بإيران في حال فشل المباحثات، مؤكداً أنه لا يمكن السماح لطهران بامتلاك سلاح نووي، مضيفًا: “إذا لم تنجح المحادثات، فسيكون ذلك يومًا سيئًا للغاية بالنسبة لإيران”.
وكان ترامب قد بعث برسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في 7 مارس، مقترحًا إجراء محادثات، غير أن إيران رفضت ما وصفته بـ”الابتزاز”.
لماذا هذا مهم؟
هذا التصعيد في اللهجة والتباين في التصريحات يعكسان هشاشة أي محاولة لاستئناف المسار الدبلوماسي بين واشنطن وطهران، خاصة في ظل تاريخ طويل من التوترات.
سبق لترامب أن انسحب من الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما عام 2015، وأعاد فرض عقوبات صارمة على إيران، ما دفع طهران إلى تجاوز سقف التخصيب المنصوص عليه في الاتفاق.
الاختلاف حول طبيعة المفاوضات – بين كونها مباشرة كما يزعم ترامب أو غير مباشرة كما تؤكد طهران – يعكس عمق أزمة الثقة بين الطرفين، ويشير إلى صعوبة الوصول إلى تسوية في ظل تعقيد المشهد الإقليمي، فإيران تعتبر أن قبول التفاوض المباشر دون ضمانات يمثل “تراجعا غير مشرّف”، بينما يرى البيت الأبيض أن الحلول الدبلوماسية تظل أفضل من المواجهة العسكرية.
في الوقت ذاته، يشهد “محور المقاومة” المدعوم من طهران سلسلة من الانتكاسات الإقليمية منذ 7 أكتوبر 2023، فقد تكبّدت “حماس” و”حزب الله” ضربات قاسية من الجيش الإسرائيلي، بينما تعرض الحوثيون في اليمن لقصف أمريكي، وتقلص نفوذ إيران بعد تراجع دور الرئيس السوري بشار الأسد.
هذه التطورات تجعل إيران أكثر حذرًا، وربما أكثر ميلًا للتهدئة المرحلية، دون تقديم تنازلات جوهرية.
ماذا بعد؟
أمام هذا المشهد المرتبك، تظل إمكانية تحقيق اختراق دبلوماسي محدودة لكنها قائمة، فقد تفتح نافذة صغيرة خلال الشهرين المقبلين، بحسب مسؤولين إيرانيين، قبل أن تتجه إسرائيل إلى تصعيد منفرد ضد منشآت إيران النووية.
وفي حال فشلت هذه المحاولة الجديدة، فإن التصعيد العسكري يبدو أقرب من أي وقت مضى، خصوصاً في ظل تصريحات ترامب التحذيرية، وتضاؤل فعالية “محور المقاومة”.
إن مستقبل البرنامج النووي الإيراني لم يعد مجرد قضية ثنائية بين واشنطن وطهران، بل أصبح معقدًا بتشابك خيوط الصراع الإقليمي، وانقسام المجتمع الدولي حول سبل احتوائه.
وفي هذا السياق، لا تبدو المفاوضات – سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة – مجرد نقاشات تقنية، بل اختبارًا حقيقيًا لقدرة العالم على تجنب مواجهة جديدة في منطقة مشتعلة أصلًا.