ماذا حدث؟
في السابع من أبريل من كل عام، يتوقف الزمن في رواندا، ففي هذا التاريخ، تحيي البلاد ذكرى واحدة من أحلك الفصول في التاريخ الإنساني الحديث، حين اندلعت عام 1994 إبادة جماعية مروعة استهدفت أقلية التوتسي على يد متطرفين من الهوتو.
هذه الذكرى، المعروفة محليًا بـ”كويبوكا” وتعني “الذكرى” بلغة كينيارواندا، تستمر على مدار مئة يوم، وهي نفس المدة التي استغرقتها المجازر التي فتكت بحياة أكثر من 800 ألف إنسان، بينهم أطفال ونساء وشيوخ، قُتلوا بوحشية لا توصف.
وفي مستهل هذه الذكرى، يشارك الرئيس بول كاغامي في مراسم وطنية تقام عند النصب التذكاري في كيغالي، حيث يرقد رفات ما لا يقل عن ربع مليون ضحية.
يوقد كاغامي شعلة الذكرى، ويلقي خطابًا يتناول فيه آلام الماضي ودروس الحاضر، بمشاركة عدد من القادة والزعماء من دول مختلفة.
لكن هذا العام، يأتي الحداد الوطني وسط عاصفة سياسية، حيث تتهم رواندا مجددًا بدعم حركة “إم23” المسلحة، ذات الأغلبية التوتسية، التي تخوض نزاعًا مسلحًا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
هذه الاتهامات دفعت بالاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على ضباط كبار في الجيش الرواندي وعلى رئيس هيئة التعدين الوطنية، بينما ردت كيغالي بغضب، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع بلجيكا، متهمة إياها بالتحريض ضدها في المحافل الدولية.
لماذا هذا مهم؟
تكمن أهمية هذا الحدث في أنه لا يمثل مجرد استذكار لمأساة إنسانية، بل هو تذكير مستمر بأن جراح التاريخ، إن لم تُداوَ بالعدالة والحقيقة والمصالحة، فقد تعود لتنزف من جديد في أشكال أخرى.
إن إبادة رواندا لم تكن وليدة لحظة، بل نتاج تراكمات استعمارية، وتمييز ممنهج، ودعاية تحريضية قادت إلى انفجار الكراهية الجماعية.
كما أن التشكيك المستمر في رواية ما جرى، والاتهامات المتبادلة بشأن المسؤولية عن إسقاط طائرة الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا – الحادثة التي أشعلت فتيل المذابح – يفتح الباب أمام تفسيرات سياسية متضاربة، مما يعقّد مشوار العدالة الانتقالية في البلاد.
بل إن قرابة ثلثي سكان رواندا اليوم لم يعايشوا تلك المأساة، مما يجعل سردية الإبادة موضوعًا متنازعًا عليه، بين من يسعى للتوثيق والتذكير، ومن يخشى من استغلال الذكرى لتصفية حسابات سياسية.
في السياق الإقليمي، فإن النزاع الدائر في شرق الكونغو وضلوع رواندا فيه- سواء كان فعليًا أو مزعومًا- يمثل امتدادًا لتداعيات الإبادة التي دفعت مئات الآلاف من الهوتو إلى الهروب نحو البلدان المجاورة، حيث تشكّل وجودهم مادة مشتعلة لصراعات لا تزال تؤرق منطقة البحيرات العظمى حتى اليوم.
ماذا بعد؟
رغم التقدم الاقتصادي والانضباط الإداري الذي شهدته رواندا في عهد كاغامي، إلا أن قضايا الحريات، والعدالة التاريخية، ومصير المتهمين بالإبادة الذين لا يزالون أحرارًا، لا تزال تطرح تساؤلات حرجة.
الأمم المتحدة، التي أعلنت يوم 7 أبريل يومًا عالميًا لإحياء ذكرى الإبادة في رواندا، تعرضت لانتقادات واسعة بسبب انسحاب قواتها في بداية المجازر، وهو درس يُستعاد اليوم مع كل أزمة إنسانية يشهدها العالم.
ومع دخول الذكرى الحادية والثلاثين، تواجه رواندا تحديًا مزدوجًا: من جهة، الحفاظ على روح المصالحة التي أرستها لجان “غاشاشا” التقليدية؛ ومن جهة أخرى، تجنب الوقوع في فخّ النزاعات الإقليمية التي قد تعيد البلاد إلى حافة الهاوية.
وما يزيد من تعقيد المشهد، هو تراجع العلاقات مع الغرب، خاصة بعد العقوبات الأوروبية وقطع العلاقات مع بلجيكا، ما يهدد بانعزال رواندا عن شركائها التقليديين.