ماذا حدث؟
تتصاعد المخاوف الدولية من تسارع الخطى نحو تحول الشرق الأوسط إلى منطقة نووية، حيث أصبحت إيران على أعتاب إنتاج قنبلة نووية خلال أسابيع أو أشهر، وليس سنوات.
في ظل هذا الوضع، يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النووي عام 2018، إعادة فتح قنوات التفاوض مع طهران.
في الوقت ذاته، بدأت دول أخرى، مثل كوريا الجنوبية، في مراجعة خياراتها النووية مع تراجع الثقة في الضمانات الأمريكية، كما يبحث المستشار الألماني الجديد عن تحالفات نووية مع بريطانيا وفرنسا لتعزيز أمن بلاده.
لكن الملف النووي في الشرق الأوسط لا يقتصر على إيران وحدها، إذ تمتلك إسرائيل بالفعل ترسانة نووية غير معلنة، فيما أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نيتهما في امتلاك قوة نووية تعادل قدرات إيران.
أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فقد أكد أن مصر تسعى لأن تكون قوة كبرى دون أسلحة نووية، على غرار ألمانيا.
في ظل هذه المعطيات، من المحتمل أن يشهد العقد المقبل، أو حتى السنوات القليلة القادمة، بروز خمس قوى نووية متنافسة في منطقة بحجم الولايات المتحدة القارية.
لماذا هذا مهم؟
يمثل الانتشار النووي في الشرق الأوسط سيناريو كارثيًا، نظرًا إلى تداخل المصالح الإقليمية وتصاعد التوترات السياسية والعسكرية.
رغم أن بعض الدول تمتلك مفاعلات نووية للأغراض السلمية، فإن الشكوك تدور حول إمكانية استخدامها لأغراض عسكرية مستقبلًا.
– تركيا تمتلك مفاعلًا بحثيًا صغيرًا يمكنه إنتاج كميات محدودة من البلوتونيوم، وتعمل على إنشاء محطة نووية روسية مكونة من أربعة مفاعلات، إضافة إلى تفاوضها لإنشاء محطات أخرى، ورغم توقيع أنقرة على معاهدة منع الانتشار النووي (NPT) وبروتوكول إضافي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن انتهاء اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة عام 2028 قد يفتح المجال أمام خيارات جديدة.
– السعودية تستعد لبناء أول محطة نووية، مع رغبتها في استخدام مواردها من اليورانيوم كوقود، لكنها لم توقع على البروتوكول الإضافي، ورفضت تقديم أي التزامات نووية إضافية إلا إذا تخلت إسرائيل عن أسلحتها النووية.
– مصر تمتلك مفاعلين بحثيين، أحدهما روسي والآخر أرجنتيني، ووقعت على المعاهدة والبروتوكول الإضافي، كما تبني حاليًا محطة نووية بتمويل روسي.
– الإمارات أصبحت أول دولة عربية تمتلك محطة نووية تجارية، بعد أن أنشأت مفاعلاتها الأربعة بمساعدة كوريا الجنوبية.
ورغم التزام هذه الدول بمعاهدة حظر الانتشار النووي، فإن قدرتها على تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود تبقى غير واضحة، مما يثير القلق حول إمكانية تحول الاستخدام السلمي إلى الاستخدام العسكري في المستقبل.
ماذا بعد؟
يشير التاريخ إلى أن انتشار الأسلحة النووية كان بطيئًا نسبيًا على مدى العقود الماضية، لكن الشرق الأوسط قد يشهد تحولًا دراماتيكيًا، فالتوازنات الدولية التي فرضت القيود على الانتشار النووي، مثل الحرب الباردة وعصر القطب الواحد في التسعينيات، لم تعد كما كانت.
واليوم، مع تفكك النفوذ الأمريكي في المنطقة وتزايد الصراعات، قد يصبح السلاح النووي خيارًا جذابًا لبعض الدول لضمان أمنها.
إن أي خطوة حاسمة من إيران نحو امتلاك سلاح نووي قد تؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل السريعة، بحيث نرى أربع قوى نووية جديدة في الشرق الأوسط خلال أشهر قليلة، بالإضافة إلى القدرات النووية الإسرائيلية الموجودة بالفعل.
في منطقة تتسم بالصراعات المزمنة وانعدام الثقة بين الأطراف المتنافسة، قد يكون امتلاك الأسلحة النووية وصفة لكارثة غير مسبوقة.
حتى الآن، لم تتخذ أي من الدول العربية أو تركيا خطوات رسمية نحو تطوير أسلحة نووية، لكن البيئة السياسية والعسكرية قد تدفع بعضها إلى إعادة النظر في استراتيجياتها، وبينما تسود حالة من الغموض حول المستقبل، يبقى الثابت الوحيد أن الشرق الأوسط قد يكون على وشك الدخول في سباق تسلح نووي لا رجعة فيه.