ماذا حدث؟
في مشهد غير مسبوق داخل قطاع غزة، اندلعت احتجاجات حاشدة في بلدة بيت لاهيا، حيث خرج مئات الفلسطينيين للمطالبة بوقف الحرب، مرددين هتافات تدعو إلى إنهاء حكم حماس للقطاع.
انطلقت المظاهرة بشكل عفوي بالقرب من مخيم للنازحين، وسط مشاهد الدمار الذي خلفته العمليات العسكرية، واتخذت طريقها نحو مستشفى الأندونيسي، حيث تصاعدت الهتافات المناهضة للحركة، ومن بينها “حماس برا برا” و”هي هي حماس إرهابية”.
المشاركون في الاحتجاجات عبروا عن استيائهم من استمرار النزاع المسلح، مطالبين بإنهاء المعاناة الإنسانية التي أرهقتهم.
ورغم عدم صدور أي تعليق رسمي من حماس أو الجهات الأمنية التابعة لها، إلا أن شهود عيان أكدوا أن أفرادًا من أمن الحركة، بعضهم بلباس مدني، تدخلوا سريعًا لتفريق المظاهرة، مما زاد من التوتر في الشارع الغزي.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت مقاطع فيديو وصور توثق لحظات المواجهة، بينما دعا ناشطون إلى تكرار التظاهرات في أماكن أخرى بالقطاع.
لماذا هذا مهم؟
هذه المظاهرات تمثل أحد أكبر التحديات الشعبية لحركة حماس منذ سيطرتها على غزة عام 2007، فبينما اعتادت الحركة قمع أي معارضة داخلية، فإن خروج الناس بهذه الجرأة يعكس حجم الاستياء المتزايد، خاصة بعد شهور طويلة من الدمار والحصار.
المتحدث باسم حركة فتح في غزة، منذر الحايك، استغل الفرصة لمهاجمة حماس، داعيًا إياها للاستماع إلى صوت الشعب والتنحي عن الحكم لتمكين السلطة الوطنية من استعادة دورها، وقال: “وجود حماس بات يشكل خطرًا على القضية الفلسطينية”، مشددًا على أن سكان غزة يرفضون أن يكونوا وقودًا لحروب لا نهاية لها.
أظهرت استطلاعات رأي حديثة تراجع التأييد الشعبي لحماس، حيث أشار مسح أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية إلى أن تأييد الحركة في غزة لا يتجاوز 35%، في حين حصلت حركة فتح على دعم 26%، مما يعكس حالة انقسام داخل الشارع الفلسطيني حول مستقبل الحكم في القطاع.
ومما زاد من حدة الغضب الشعبي، إعلان إسرائيل عن توسيع عملياتها العسكرية في شمال القطاع، لا سيما في بيت لاهيا، بعد استئناف القتال في 18 مارس.
هذا القرار أدى إلى موجة نزوح جديدة، وأثار انتقادات واسعة بين السكان الذين يرون أن سياسات حماس ساهمت في تأزيم الموقف.
ماذا بعد؟
في ظل هذا الحراك الشعبي، يبدو أن حماس تواجه تحديًا داخليًا غير مسبوق، ومع تصاعد الدعوات لاستمرار التظاهرات، قد تجد الحركة نفسها أمام خيارين: إما تشديد قبضتها الأمنية كما فعلت في احتجاجات سابقة، أو محاولة امتصاص الغضب عبر تقديم تنازلات سياسية.
من جانبها، تحاول الحركة تصوير الاحتجاجات على أنها مؤامرة خارجية، إذ نشرت منصاتها الإعلامية بيانات منسوبة لـ”وجهاء غزة”، تحذر من استغلال المسيرات لتأليب الرأي العام ضد المقاومة.
ورغم هذا الخطاب، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أن الاحتجاجات لم تكن مجرد تحرك منظم من قبل أطراف سياسية، بل جاءت كنتيجة طبيعية للغضب الشعبي المتراكم.
على المدى القريب، من المتوقع أن تزداد الضغوط الداخلية والخارجية على حماس، سواء من قبل سكان غزة الذين أنهكتهم الحرب، أو من الفصائل الفلسطينية الأخرى التي ترى في هذا الغضب فرصة لإعادة ترتيب المشهد السياسي في القطاع.
أما على المدى البعيد، فقد تكون هذه المظاهرات مقدمة لتحولات أوسع، قد تدفع حماس إلى مراجعة استراتيجياتها، أو حتى التفكير جديًا في تقاسم السلطة، إذا ما استمر الضغط الشعبي في التصاعد.