لماذا لم تتوقف صناعة الكبتاغون في سوريا بعد سقوط الأسد؟

#image_title

ماذا حدث؟

في واحدة من أكبر عمليات ضبط المخدرات مؤخرًا، أعلنت وزارة الداخلية العراقية عن إحباط محاولة تهريب ضخمة تضمنت أكثر من طن من حبوب الكبتاغون، التي جرى تهريبها من سوريا عبر الأراضي التركية وصولًا إلى العراق.

هذه الشحنة تم اعتراضها بفضل معلومات استخباراتية دقيقة قدمتها المملكة العربية السعودية، وأسفرت العملية عن توقيف ثلاثة متورطين بينهم سوري.

وبحسب بيان وزارة الداخلية العراقية، فإن الكمية المضبوطة بلغت 1.1 طن من الكبتاغون، كانت مخبأة بإحكام داخل شاحنة تجارية تمر عبر منفذ إبراهيم الخليل الحدودي في دهوك.

العملية الأمنية كانت جزءًا من تنسيق استخباري واسع النطاق مع دول الجوار، وهو ما أكده المتحدث باسم المديرية العامة لمكافحة المخدرات العراقية، حسين التميمي، مشيرًا إلى أن الشحنة تم تعقبها بدقة بعد نقلها بين عدة شاحنات وإخفائها وسط مواد معدّة للتصدير.

هذه الواقعة لم تكن الأولى، إذ أعلنت السلطات العراقية عن سلسلة ضبطيات سابقة لشحنات مماثلة، كان أغلبها مصدره سوريا.

لماذا هذا مهم؟

تكشف هذه الحادثة عن شبكة عابرة للحدود لا تزال قادرة على إنتاج وتهريب الكبتاغون رغم انهيار النظام السوري الذي كان متهمًا بتغذية هذه التجارة عبر تحالفاته، خصوصًا مع حزب الله اللبناني.

على الرغم من وعود الإدارة السورية الجديدة باتخاذ خطوات صارمة ضد هذا النشاط، إلا أن المعطيات على الأرض تؤكد استمرار إنتاج الكبتاغون وتخزينه في مستودعات داخل سوريا، لا سيما في المناطق الحدودية مع لبنان والأردن.

كميات الكبتاغون المضبوطة مؤخراً في العراق، استخدمت فيها نفس تقنيات التهريب التي لطالما استخدمها النظام السوري خلال السنوات الماضية، ما يعزز فرضية أن جزءًا كبيرًا من هذه الشحنات مصدره مخزونات قديمة لم يتم القضاء عليها بعد.

وأفاد الخبراء بأن مصانع إنتاج الكبتاغون في سوريا لا تزال قائمة في مناطق مثل السويداء، وأن بعض المهربين والمصنعين الرئيسيين لم يتم توقيفهم حتى الآن.

إضافة إلى ذلك، فإن حزب الله، الذي لطالما استفاد ماليًا من هذه التجارة، وجد نفسه بعد سقوط الأسد أمام تحديات مالية واضطر إلى البحث عن أساليب جديدة لتهريب المخدرات وتحصيل الأموال، مع استمرار بعض خلاياه في التنسيق مع شبكات إنتاج وتوزيع الكبتاغون داخل سوريا.

ماذا بعد؟

المؤشرات الحالية تدل على أن صناعة الكبتاغون لم تتوقف بل دخلت في مرحلة إعادة تموضع، حيث تسعى الشبكات الإجرامية إلى تطوير أساليب تهريب جديدة لتجاوز القيود الأمنية المشددة، خاصة مع تزايد التعاون الأمني بين العراق ودول الخليج للحد من هذه التجارة.

وأصبح العراق ممرًا رئيسيًا للكبتاغون في طريقه إلى الأسواق الخليجية، نتيجة موقعه الجغرافي الرابط بين سوريا ودول الخليج، ما يضع البلاد في قلب هذه الحرب غير المعلنة على المخدرات.

وقد اعتمد العراق خطة وطنية لمكافحة المخدرات للفترة بين 2024 و2030، تتضمن إجراءات قانونية صارمة تصل إلى الإعدام للمتورطين في تهريب المخدرات، مع تعزيز الحملات التوعوية والأمنية لمكافحة هذه الظاهرة.

ومع ذلك، تبقى التحديات قائمة، لا سيما مع استمرار وجود مصانع قائمة في سوريا وعدم تفكيك شبكات الإنتاج بالكامل، وهو ما ينذر بأن محاولات التهريب ستستمر وإن بوتيرة أقل، خاصة أن الطلب الخليجي على الكبتاغون لم ينخفض، بل ازداد بفعل ندرة المعروض وارتفاع أسعاره.

وتُرجح الأوساط الأمنية والاستخباراتية أن عصابات المخدرات قد تعيد توزيع مراكز تصنيعها إلى مناطق أخرى مثل الأراضي العراقية، حيث ضبطت السلطات خمس منشآت سرية خلال العام الماضي، مما يشير إلى مرحلة جديدة في مسار هذه التجارة.

ختامًا، فإن سقوط الأسد لم يكن كافيًا لإنهاء تجارة الكبتاغون، التي تحولت إلى “وحش مالي” يدير نفسه بعيدًا عن التغيرات السياسية، ويواصل زعزعة استقرار المنطقة عبر تدفقات مستمرة من هذه الحبوب المخدرة.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *