كيف أصبحت مفاوضات الحرب في أوكرانيا أمرًا شخصيًا لبوتين؟

#image_title

ماذا حدث؟

بينما يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بث التفاؤل بشأن مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا، إلا أن الأمور على الأرض تسير في اتجاه أكثر تعقيدًا.

ترامب يرى أن بوتين يريد السلام، لكن أوكرانيا وحلفاءها الأوروبيين لا يثقون بهذا التقييم، فرغم إعلان بوتين المتكرر عن رغبته في إنهاء الحرب، إلا أنه يتراجع في اللحظات الحاسمة، ويصرّ على رفض توقيع أي اتفاقيات ملزمة، مستندًا إلى أجندة أوسع بكثير من مجرد وقف إطلاق النار.

بات واضحًا أن بوتين لا يسعى فقط لإخضاع أوكرانيا، بل يتطلع إلى إعادة تشكيل النظام العالمي، وفرض روسيا كقوة عظمى في المشهد الدولي.

في هذا السياق، تواصلت الهجمات الروسية العنيفة، كان آخرها قصف واسع لميناء أوديسا الأوكراني، مما أدى إلى حرائق واسعة وخسائر فادحة.

وعلى الرغم من محاولات ترامب لإنهاء الحرب عبر التفاوض، إلا أن بوتين، الذي لا يزال يسيطر على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية بعد ثلاث سنوات من الغزو، يرى في هذه المفاوضات فرصة لتسجيل مكاسب سريعة تُخدم مشروعه الجيوسياسي الأكبر.

لماذا هذا مهم؟

الأهمية الحقيقية تكمن في أن هذه الحرب لم تعد مجرد صراع على الأرض الأوكرانية، بل تحولت إلى معركة بين موسكو والغرب.

بوتين، القادم من عباءة جهاز الـ”كي جي بي”، لم يتجاوز بعد صدمة سقوط الاتحاد السوفيتي، وهو مصمم على الانتقام من تلك الإهانة التاريخية بإعادة روسيا إلى دائرة النفوذ الكبرى.

بالنسبة له، أوكرانيا ليست سوى بوابة لاستعادة ما يعتقد أنه حق تاريخي وجغرافي، مستشهداً بمفاهيم مغلوطة عن وحدة “روس التاريخية” التي تضم روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا.

الأمر الأكثر خطورة أن بوتين لم يعد يكتفي بالضغط العسكري، بل يخطط لاستخدام أدوات أخرى، مثل التدخل في الانتخابات الأوكرانية والتشكيك في شرعية الرئيس فولوديمير زيلينسكي.

هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق هدفه الأصلي: تحويل أوكرانيا إلى دولة تابعة لموسكو، على غرار بيلاروسيا، ومنعها من الانضمام إلى الناتو أو الاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت ذاته، يسعى بوتين إلى استغلال ميول ترامب لعقد صفقات كبرى، ولو على حساب الحلفاء الأوروبيين وأمن أوكرانيا.

ماذا بعد؟

بينما تدفع إدارة ترامب نحو صفقة قد تتضمن تنازلات أوكرانية مؤلمة، تصر العواصم الأوروبية على أن بوتين لا يمكن الوثوق به.

إذ ترى برلين وباريس ولندن أن وقف القتال اليوم لا يعني انتهاء طموحات الكرملين غداً، خاصة وأن بوتين لا يخفي سعيه لإعادة ترسيم حدود النفوذ في أوروبا، وتقويض وحدة الغرب.

على المدى البعيد، يبدو أن بوتين سيواصل اللعب على وتر الانقسامات الغربية، مستهدفًا ليس فقط الأراضي الأوكرانية، بل أيضاً مكانة أوروبا في النظام الدولي.

ووسط هذا التصعيد، تبرز تساؤلات خطيرة: هل سيكتفي بوتين بما حققه حتى الآن؟ أم سيواصل الضغط حتى يحصل على “صفقة كبرى” تعيد لروسيا مجدها السوفيتي المفقود؟

الشيء المؤكد أن ما يحدث في أوكرانيا اليوم لم يعد حربًا إقليمية، بل أصبح معركة شخصية يخوضها بوتين ضد الغرب بأكمله، مدفوعًا بشعور متجذر بالانتقام من التاريخ.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *