ماذا حدث؟
كثّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاروه تحركاتهم في الشرق الأوسط، وسط تبيان في تحليلات المحللين حول ما إذا كانت هذه التحركات جزءًا من استراتيجية شاملة أم مجرد ردود فعل لإخماد حرائق سياسية وعسكرية تشتعل في الإقليم.
في 15 مارس، شنّت الولايات المتحدة ضربات جوية ضد جماعة الحوثي في اليمن، الحليف الإيراني الذي هدد الملاحة في البحر الأحمر وأطلق هجمات على إسرائيل.
الرسالة كانت واضحة: “عندما يتوقف الحوثيون عن هجماتهم، سنتوقف”، حسب وزير الدفاع الأمريكي.
ترامب لم يتوقف عند اليمن، بل وجّه تحذيرًا لإيران، محمّلًا إياها مسؤولية تسليح الحوثيين وتزويدهم بالمعلومات الاستخباراتية.
لكن المفارقة أن تحركات الإدارة الأمريكية لم تتوقف عند اليمن أو إيران، بل امتدت إلى سوريا ولبنان، حيث دعمت الولايات المتحدة اتفاقات تهدف إلى تحقيق الاستقرار ومنع عودة النفوذ الإيراني وحلفائه في هذه المناطق.
ومع ذلك، فإن الدعم غير المشروط الذي قدّمته إدارة ترامب لاستئناف الحرب الإسرائيلية على غزة يُهدد بنسف جهود واشنطن في ملفات أخرى، خاصة في ظل التوتر المتصاعد في الشارع العربي والإسلامي بسبب الضحايا المدنيين في القطاع المحاصر.
لماذا هذا مهم؟
أهمية هذه التحركات تتجاوز جغرافيا الشرق الأوسط، فهدف واشنطن الأساسي هو كبح جماح إيران وإعادتها إلى طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي وسلوكها الإقليمي.
واشنطن تستعرض عضلاتها من خلال ضرب الحوثيين، وإرسال رسائل لإيران بأن أي تصعيد قد يُترجم إلى ضربات مباشرة على منشآتها النووية، خاصة بعد المناورات الجوية المشتركة مع إسرائيل، والتي تضمنت محاكاة لهجمات على أهداف تحت الأرض.
في الوقت نفسه، تحاول الإدارة الأمريكية إحكام طوق اقتصادي على طهران بإغلاق الثغرات التي تستغلها طهران في بيع النفط للصين.
على الجانب الآخر، تبذل واشنطن جهودًا لتهدئة الأوضاع في سوريا ولبنان، عبر اتفاقات تمنع فراغ السلطة الذي قد تستغله طهران لإعادة بناء نفوذها العسكري، خصوصًا مع حزب الله، كما تسعى الولايات المتحدة لتقوية الجيش اللبناني لمنع عودة الاشتباكات في الجنوب اللبناني.
لكن هذه الجهود كلها باتت مهددة بفعل تصعيد الحرب في غزة، الذي يُعقّد سعي الولايات المتحدة لتشكيل جبهة موحدة ضد طهران، خاصة مع رفض السعودية والإمارات وأغلب الدول الخليجية دعم التطبيع مع إسرائيل وسط استمرار المجازر في غزة.
ماذا بعد؟
المشهد أمام الإدارة الأمريكية معقّد للغاية، فالحرب في غزة قد تُغرق إسرائيل في مستنقع عسكري وسياسي داخلي، خاصة مع تصاعد الاحتجاجات ضد نتنياهو داخل إسرائيل واتهامه بجرّ الجيش إلى صراع لا نهاية له من أجل البقاء السياسي.
على المستوى الإقليمي، استمرار الحرب قد يعمّق الهوة بين واشنطن وحلفائها الخليجيين، ويجعل ملف التطبيع السعودي-الإسرائيلي في مهب الريح.
أما إيران، فقد تجد نفسها في موقع القوة عبر استغلال الغضب الشعبي العربي، ورفع سقف تحديها للولايات المتحدة في ملفها النووي.
السيناريو الأسوأ لترامب هو أن تُفشل غزة مساعيه لترويض طهران، وتفتح الباب أمام مواجهة مفتوحة إما مع إيران مباشرة أو من خلال وكلائها في المنطقة.
باختصار، الإدارة الأمريكية تملك خطة، لكنها على وشك الاصطدام بواقع الشرق الأوسط المتقلب، ومن دون تعديل المسار، قد تجد نفسها في قلب عاصفة لا تُحمد عقباها.