ما مصير أسعار المحروقات في مصر؟ وكيف ستؤثر على المواطن العادي؟ (خاص)

#image_title

عقب اجتماع الحكومة المصرية يوم 12 مارس الماضي، أعلن رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أن الحكومة تتابع بشكل يومي تحركات أسعار السلع في الأسواق عبر تقارير دورية تُرفع إلى مكتبه، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء يأتي ضمن حرص الدولة على مراقبة الأسعار في ظل التحديات الاقتصادية الحالية.

وقال مدبولي، إن الحكومة ملتزمة بخطتها التدريجية للوصول إلى رفع كامل لدعم الوقود بنهاية العام الجاري، مع استثناء بعض المنتجات الحيوية مثل السولار وغاز المنازل، حيث ستظل مدعومة بنسب متفاوتة.

وأضاف رئيس الوزراء أن الحكومة تضع في اعتبارها الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، لافتًا إلى أن هناك فترة زمنية حددتها الدولة لن تُرفع خلالها الأسعار بشكل مفاجئ، لضمان التدرج في الإصلاحات الاقتصادية دون تحميل المواطنين أعباءً إضافية بشكل سريع.

وأشار إلى أن الدعم سيظل قائمًا على أنبوبة الغاز المنزلية (البوتاجاز)، مؤكدًا: “ستظل الأنبوبة مدعومة بجزء ليس بالقليل، وكل ذلك تم الإعلان عنه مسبقًا، ونحن نراعي الظروف الحالية”.

لماذا الآن؟

جاء هذا التصريح في ظل إعلان صندوق النقد الدولي موافقته على صرف 1.2 مليار دولار من برنامج التسهيل الممدد لمصر، إضافة إلى تمويل بقيمة 1.3 مليار دولار ضمن تمويل الصلابة والمرونة، ما يعزز التوقعات بتسريع الإصلاحات الهيكلية، ومنها سياسة رفع الدعم عن الوقود.

وأكد الدكتور محمد معيط، المدير التنفيذي وعضو مجلس المديرين التنفيذيين وممثل المجموعة العربية والمالديف بصندوق النقد الدولي، في تصريحات إعلامية التزام مصر بالتخلي عن دعم الوقود بالكامل بحلول ديسمبر المقبل، وذلك ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع الصندوق.

التحول التدريجي

من جانبه، أكد المحلل الاقتصادي الدكتور عمرو الهلالي أن الحكومة المصرية ماضية في تنفيذ التزاماتها المتعلقة برفع دعم المحروقات بشكل شبه كامل بنهاية عام 2025، في إطار خطة التحول الاقتصادي التي تنفذها بالشراكة مع صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى أن الحكومة تبدو مصممة على تنفيذ هذا الإجراء رغم الضغوط الاقتصادية المحلية والعالمية.

وكشف الهلالي، في تصريحات خاصة لـ “برفيليكس”، أن هناك توجهاً لتحريك أسعار المشتقات البترولية تدريجياً لتقترب من سعر التكلفة خلال الاجتماعات الثلاثة القادمة للجنة تسعير المحروقات، متوقعاً أن يبدأ أول تحريك للأسعار بعد انتهاء شهر رمضان وعيد الفطر مباشرة، بنسبة تتراوح بين 12 إلى 18% لأسعار البنزين الثلاثة، مع زيادات أكبر للسولار وغاز البوتاجاز قد تصل إلى 48% للسولار، وأكثر من 100% لغاز الطهي.

التأثير على التضخم

وأضاف الهلالي: “سنشهد ارتفاعاً متكرراً بواقع جنيه واحد على سعر لتر البنزين كل ثلاثة أشهر تقريباً، مقابل جنيهين للسولار، وحوالي 50 جنيهاً زيادة على سعر أنبوبة البوتاجاز مع كل مراجعة للأسعار”.

وأشار إلى أن هذا التحرك سيرتّب موجة تضخمية ستطال مختلف القطاعات، حيث سترتفع أسعار السلع بنسبة قد تتجاوز ضعف نسبة زيادة أسعار الوقود، متوقعاً أن يقفز معدل التضخم لأكثر من 25% خلال العام الحالي، بسبب صعوبة ضبط الأسواق وآليات تسعير المنتجات في السوق الحر، رغم محاولات الحكومة.

وأوضح الهلالي أن الحكومة كانت تراهن على تحسن مؤشرات الاقتصاد بالتوازي مع تنفيذ خطة رفع الدعم، لكن الظروف الدولية والضغوط الاقتصادية أبطأت هذا التحسن وأثرت على الموارد الدولارية للدولة، لتجعل ما تبقى من عام 2025 تحدياً كبيراً للحكومة وللمواطن المصري على حد سواء.

وبيّن الهلالي أن السولار وغاز الطهي (البوتاجاز) سيكونان الأكثر تأثيراً على أسعار النقل وكُلفة الإنتاج، متوقعاً أن تتباطأ الحكومة في رفع الدعم عنهما بنفس وتيرة البنزين، مرجحاً أن يتم رفع نحو 50% من الدعم على هذين المنتجين تدريجياً، ليوازي السولار في الزيادة معدل البنزين (جنيه لكل لتر كل 3 أشهر)، بينما قد ترتفع أنبوبة البوتاجاز بمعدل 30 جنيهاً بدلاً من 50.

وحذّر الهلالي من أن الزيادات المرتقبة في أسعار النقل، خاصة النقل الثقيل، ستكون خارج سيطرة الحكومة، نتيجة تحكم جهات احتكارية غير رسمية في تسعير خدمات النقل، مما سيضاعف من تأثير التضخم ويفاقم من ارتفاع الأسعار في موجات غير محسوبة خلال الأشهر التسعة المقبلة.

كيف تحدد الحكومة المصرية سعر المواد البترولية؟

بعد إعلان رئيس الوزراء نية الحكومة لرفع الدع عن المحروقات، خرج المهندس مدحت يوسف، الخبير البترولي ونائب رئيس هيئة البترول الأسبق، ليكشف تفاصيل وآلية تحديد أسعار البنزين في مصر والعالم.

وأوضح يوسف أن أسعار البنزين تختلف عالميًا باختلاف الدول، حيث تعتمد غالبية الدول المتقدمة على فرض ضرائب مرتفعة على الوقود، ما ينعكس في ارتفاع سعره، مشيرًا إلى أن هونج كونج تسجل أعلى سعر للبنزين عالميًا بـ3.3 دولار للتر، فيما تعتبر إيران الأرخص بسعر 3 سنتات بالبطاقة و6 سنتات للاستهلاك الزائد، بينما تحتل مصر المرتبة العاشرة بين الدول الأرخص بمتوسط 29 سنتًا للتر لجميع أنواع البنزين.

وحول كيفية تحديد أسعار البنزين عالميًا، أوضح يوسف أن هناك عاملين أساسيين هما السعر العالمي المرتبط بأسعار التوريد في المناطق الجغرافية المختلفة مثل “فوب البحر المتوسط” و”فوب الخليج العربي” و”فوب روتردام”، بالإضافة إلى تكاليف النقل والتأمين البحري.

وأضاف أن مصر تعتمد في تسعيرها على مرجعية “فوب البحر المتوسط” مضافًا إليها تكاليف الشحن والتأمين حتى الوصول للموانئ المصرية.

وأشار إلى أن الأسعار العالمية اليوم تقدر بـ793 دولارًا لطن البنزين 95، أي ما يعادل 28.8 جنيهًا للتر تقريبًا، بينما يبلغ سعر طن السولار 699 دولارًا أي ما يعادل نحو 28.5 جنيهًا للتر، مع إضافة نحو 100 دولار تكلفة شحن وتأمين لكل طن.

أما محليًا، أوضح يوسف أن جزءًا من الإنتاج المصري للزيت الخام يتم احتسابه بالقيمة “صفر” لصالح الشعب، ما يساهم في تخفيض تكلفة المنتج محليًا، لكنه أكد أن هذا الدعم غير المنظور يتسم بعدم العدالة بين المواطنين.

وتابع أن تكلفة البنزين في مصر حاليًا تتراوح بين 18 إلى 22 جنيهًا للتر، حسب النوع، حيث يصل سعر بنزين 95 إلى حوالي 22 جنيهًا، وبنزين 92 إلى 20 جنيهًا، وبنزين 80 إلى 18 جنيهًا، بينما يبلغ متوسط تكلفة السولار بين 18 و19 جنيهًا للتر، موضحًا صعوبة رفع سعر السولار إلى هذا الحد نظرًا لتأثيره المباشر على الأسعار وحياة المواطنين.

هل يعوم الجنيه مجدد

وفيما يتعلق بسعر صرف الجنيه، استبعد الهلالي أن تُقدم الحكومة على تعويم جديد للعملة في الوقت الحالي، موضحاً أن الحكومة لجأت إلى آلية “إدارة السوق” عبر العرض والطلب بدلاً من التعويم المباشر، وهو ما يعني أن التغيرات في قيمة الجنيه ستتم بشكل تدريجي وبقيم محدودة، للوصول إلى سعر تقويمي قد يقترب من 55 أو 56 جنيهاً مقابل الدولار، دون تعويم مفاجئ.

واختتم الهلالي تصريحاته قائلاً: “الحكومة لن تخاطر في الوقت الراهن بالجمع بين رفع الدعم عن المحروقات وتعويم العملة في نفس الوقت، لأن ذلك قد يؤدي إلى فقدان السيطرة على المشهد الاقتصادي، وهو ما تسعى الدولة إلى تفاديه تماماً”.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *