علاء مولى الدويلة
تعد “الختايم” واحدة من أبرز العادات التي تشتهر بها مدينة تريم كغيرها من مدن محافظة حضرموت كبرى المحافظات اليمنية، حيث تجمع بين البُعد الديني والاجتماعي في صورة احتفالية تستحق التوثيق والاهتمام.
وقامت منصة بريفلكس بتوثيق هذه العادة المتجددة من خلال جولة في أزقة مدينة تريم العتيقة، حيث قمنا بالبحث والتحقيق في جوانبها المختلفة، كانت هذه الرحلة بمثابة فرصة لاكتشاف خفايا هذه العادة المتجددة التي تثير العديد من التساؤلات حول جذورها التاريخية وكيفية تطورها عبر الأجيال، من خلال اللقاء مع أهالي المدينة، شاركونا قصصهم وحكاياتهم عن الختايم، وإليكم حصيلة الاستطلاع:

عبق روحاني .. في بيوت الرحمن
وعن عادة الختايم في مدينة تريم – عاصمة الثقافة للعالم الإسلامي للعام 2010 – أشار الأستاذ عبدالله بن حميدان، أن أهالي مدينة تريم ينظرون إلى عادة الختايم ليس بوصفها احتفالا وحسب، بل هو مناسبة دينية تُمثل تواصلًا روحانياً مع القرآن الكريم، ففي كل حارة، تُقام ليلة خاصة تُسمى “ليلة ختم المسجد”، حيث يتجمع سكان الحارة للاحتفال بختم القرآن في المسجد.

وأضاف رئيس مركز الحميدان للدراسات والنشر والثقافة والتراث: ” .. تتميز ليلة الـ 29 من رمضان بختم مسجد المحضار الشهير بمدينة تريم، الذي يعد بمثابة عاصمة حضرموت الدينية، في هذه الليلة، يُسجّل حضور غفير للمصلين من مختلف مناطق حضرموت، في جو مليء بالخشوع والإيمان”. مردفاً “..ويُردد في المساجد خلال هذه الليلة الموشحات الدينية، مما يضيف طابعاً روحانياً مميزاً بواسطة الألحان الشجية والكلمات الراقية التي تُنشدها الأصوات العذبة للمنشدين، ليشكلوا معاً جواً إيمانياً خاصاً يطمئن القلوب ويبعث السكينة في النفوس”.

سيرورة الختايم .. من العادة إلى كرنفال ثقافي
من مدينة تريم، دُرَّة حضرموت كبرى المحافظات اليمنية شرقي اليمن، حيث تتضوع الأجواء بنفحات الشهر الفضيل، وتنساب الموشحات الدينية من مآذنها العتيقة، لتملأ ليالي رمضان أنساً وطمأنينة، ينهمك الشاب عمر باحريش وأصدقاؤه، كعادتهم في كل عام، للتحضير والإعداد لختم مسجد “المهاجر” في حارتهم “الرحبة”، من أجل ختم يوم الثاني عشر من رمضان.
ولمنصة بريفلكس، يقول عمر: “لا نريد لختم مسجد المهاجر أن يكون مجرد احتفاء اجتماعي وديني عابر، بل يزداد فينا التحدي في كل عام، ليكون الختم محطة تلتقي فيها الأجيال، حيث يمتزج عبق الماضي بروح الحاضر، وننسج معا لحظات لا تُنسى لننشر البهجة في الأطفال ونحقق تلاحم أفراد المجتمع.”كخلايا النحل، يعمل شباب الحارة بتناغم، ينسقون الفقرات، ويضعون اللمسات الأخيرة على تفاصيل الحدث، تحت إشراف لجنة متخصصة تتابع كل صغيرة وكبيرة.

وفي الليلة المرتقبة، أضاءت الفوانيس ساحات المسجد، وتعالت أهازيج الفرح، حيث استعرضت الفرق الفلكلورية لوحات تراثية أصيلة، بينما صدحت القصائد المرثية، وفاءً لمن خطوا بجهدهم سطوراً مضيئة في تاريخ المسجد وخدمة الحارة، أما ذروة الحفل كانت حين اعتلت خشبة المسرح مجموعة من الشباب، ليقدموا عرضا فنيا ومسرحيا، حمل رسائل عميقة، مسلطًا الضوء على مخاطر الإدمان وتأثير المحتوى الرقمي السلبي، في دعوة واعية لحماية الشباب من الانجرار خلف العادات الهادمة للمجتمع، ولصياغة مستقبل أكثر إشراقًا للأجيال القادمة.

تضامن اجتماعي وتواصل الأجيال
وفي ذات السياق، أوضح الأستاذ عبدالله بن حميدان، أنه على الرغم من الطابع الديني الذي يصبغ الاحتفال، لا تقتصر “الختايم” على الأبعاد الروحية فحسب، بل تضم أيضاً بعداً اجتماعياً مهماً، حيث تبدأ الطقوس في المساء، بالتجمع أمام مسجد الحارة، ويقوم الحضور بأداء الرقصات الشعبية الحضرميّة مثل (العدّة، الزربادي، والبني مغراه)، التي تمنح المناسبة طابعاً ثقافياً فلكلورياً يميزها عن غيرها من الاحتفالات.

وأضاف: “تكتظ الساحات المحيطة بالمساجد بالألعاب الشعبية للأطفال، التي تتحول إلى ما أشبه بسوق شعبي مصغر، حيث يهرع الأطفال لشراء الألعاب والحلويات والمكسرات، بينما يستمتع الآخرون بالألعاب المنتشرة في المكان، مما ينشر مظاهر الفرح والبهجة في النفوس”.وإلى جانب تلك الفعاليات، تشهد “الختايم” توافد الأقارب والأصدقاء على منازل جيرانهم وأهلهم في الحارة التي شهدت مراسم الختم، حيث يُحتفل بإفطار جماعي في جو من الألفة وقيم التضامن والتآخي، الأمر الذي يؤكد أن تلك اللقاءات لا تهدف فقط إلى إتمام العادة، بل تتجاوزها لتمثل فرصة توطيد الروابط الاجتماعية وتعميق أواصر المحبة والتواصل بين أفراد المجتمع.

على سبيل الختم:
على الرغم ما تمر به محافظة حضرموت من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، إلا أن عادة “الختايم” لم تنقطع، بل تشهد تطورا ملحوظا في كيفية تقديم فقراتها، حيث يشارك الجميع بإرادة طوعية خالصة، لتقديم صورة إيجابية عن الحارة التي ينتمون إليها، دون مقابل مادي أوانتظار تكريم أو اعتراف من جهة مسؤولة، إذ يستشعر الأهالي لهذه العادة أنها ليست مجرد مناسبة دينية أو احتفالية فقط، بل هي لحظة تتجسد فيها قيم التضامن الاجتماعي، والتمسك بالموروث الثقافي، والروح الجماعية التي يعتز بها أهالي حضرموت، وفرصة التقاء الأجيال في تجسد لوحة بهيجة عن حاراتهم ومدنهم، وبينما تظل هذه العادة متجددة عبر الأجيال، فإنها تستمر في الحفاظ على مكانتها كأحد أهم الطقوس الرمضانية، التي توحد القلوب وتجمع أفراد المجتمع في أجواء من الفرح والتكافل.

تصوير
عبدالله بن شهاب – عمر باشعيوث.