أقدمت السلطات التركية على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، أحد أبرز وجوه المعارضة وأقوى منافسي الرئيس رجب طيب أردوغان، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً وأعادت خلط أوراق المشهد السياسي التركي.
جاء الاعتقال في توقيت بالغ الحساسية، قبل أيام قليلة من الانتخابات التمهيدية لحزب الشعب الجمهوري، التي كان يُتوقع أن يُعلن خلالها إمام أوغلو مرشحاً رئاسياً لمنافسة أردوغان في انتخابات 2028.
قرار النيابة العامة في إسطنبول لم يشمل إمام أوغلو فقط، بل امتد ليطال نحو 100 شخص من الدائرة المحيطة به، بينهم مستشاره الإعلامي مراد أونجون، وسط اتهامات تتراوح بين “الانتماء لمنظمة إجرامية” و”الابتزاز” و”الاحتيال”، وفق ما ذكرته وكالة الأناضول الرسمية.
في المقابل، اعتبر معارضون أن هذه الخطوة محاولة مكشوفة لإقصاء خصم سياسي قوي، في وقت يعاني فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم من خسائر متتالية في كبرى المدن.
تداعيات القرار وحظر الاحتجاجات
رد إمام أوغلو على قرار اعتقاله لم يتأخر، إذ بث رسالة عبر حسابه على منصة “إكس”، قال فيها: “لقد أرسلوا مئات من رجال الشرطة إلى باب منزلي، منزل 16 مليون شخص من سكان إسطنبول”.
وأضاف: “إنهم يحاولون سرقة إرادة الشعب”. في الوقت نفسه، سارعت محافظة إسطنبول إلى تعليق جميع أشكال التظاهرات حتى 23 مارس، وأغلقت بعض محطات المترو والطرق الحيوية في وسط المدينة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها محاولة لاحتواء أي تحرك شعبي محتمل.
في هذه الأثناء، فرضت السلطات التركية قيوداً على الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل “إكس” و”يوتيوب” و”تيك توك”، ما زاد من حدة الاتهامات بتقييد الحريات وتكميم أفواه المعارضة.
الصراع مع أردوغان
أكرم إمام أوغلو، البالغ من العمر 52 عاماً، برز في السنوات الأخيرة كأحد الوجوه السياسية القادرة على تهديد هيمنة أردوغان المستمرة منذ عقدين.
منذ فوزه برئاسة بلدية إسطنبول في 2019، كسر إمام أوغلو احتكار العدالة والتنمية لعاصمة تركيا الاقتصادية لأول مرة منذ 25 عاماً، وكرر انتصاره في انتخابات 2024، ليؤكد موقعه كخصم صلب للرئيس التركي.
ومع كل انتصار انتخابي، كان إمام أوغلو يواجه تصعيداً قضائياً، تارة بالتحقيقات وتارة أخرى بإلغاء شهادته الجامعية مؤخراً، وهو القرار الذي قد يحرمه من الترشح للرئاسة وفقاً لقانون الانتخابات التركي الذي يشترط حصول المرشح على شهادة جامعية معترف بها.
تشابه المصائر واختلاف السياسات
اللافت أن إمام أوغلو وأردوغان يتقاسمان خلفيات متشابهة: فكلاهما نشأ في منطقة البحر الأسود الشرقية، وكلاهما كان لاعب كرة قدم في شبابه وأدار بلدية إسطنبول قبل أن يصبح أحدهما رئيساً للبلاد، بينما يطمح الآخر للمنصب ذاته.
غير أن المسافة بين الرجلين شاسعة حين يتعلق الأمر بالسياسات والأيديولوجيات، إذ يعِد إمام أوغلو بنهج ديمقراطي أكثر انفتاحاً في مواجهة سياسة القبضة الحديدية التي يتبعها أردوغان.
معركة مبكرة على رئاسة 2028
يبدو أن تركيا مقبلة على صراع سياسي طويل الأمد، فإمام أوغلو، رغم العثرات القضائية، ما زال يحتفظ بقاعدة شعبية عريضة خصوصاً في المدن الكبرى.
وبينما يحاول النظام الحالي قطع الطريق أمامه مبكراً، يرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تزيد من شعبيته، وتجعل منه رمزاً لمعارضة تتطلع إلى إحداث تغيير جوهري في الساحة التركية.