مستقبل الشرق الأوسط بين النفط والدولار والديون

#image_title

ماذا حدث؟

في ظل تصاعد الحرب التجارية العالمية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تبقى منطقة الشرق الأوسط في عين العاصفة، وإن كانت حتى الآن قد أفلتت من لهيب الرسوم الجمركية المباشرة.

بينما تواصل الولايات المتحدة فرض رسوم متبادلة مع اقتصادات كبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي، تترقب دول الخليج العربي وشمال إفريقيا تداعيات هذه الحرب الاقتصادية التي تهدد بتباطؤ التجارة العالمية وتراجع أسعار النفط، المصدر الحيوي لدخلها.

رغم أن التأثير المباشر لتلك الرسوم، مثل الضرائب الأميركية على واردات الصلب والألمنيوم، يبدو محدودًا نسبيًا على دول الخليج، إلا أن تداعيات الحرب الأوسع تنعكس سلبًا عبر قنوات أخرى أكثر خطورة.

من بين هذه التداعيات انخفاض أسعار النفط بسبب تراجع الطلب العالمي، وارتفاع كلفة الواردات في الدول التي تربط عملاتها بالدولار، مثل السعودية والإمارات وقطر وعمان والبحرين.

لماذا هذا مهم؟

يمثل النفط شريان الحياة الأساسي لاقتصادات الشرق الأوسط، ومع تراجع أسعاره بسبب الحرب التجارية وتباطؤ الطلب العالمي، تتعرض هذه الاقتصادات لضغوط مالية متزايدة، رغم جهود الإصلاح والتنوع الاقتصادي التي انطلقت بقوة منذ صدمة أسعار النفط في 2014.

وفي ظل ارتفاع قيمة الدولار بفعل السياسات التجارية الأميركية، تجد الدول ذات الديون الخارجية المرتفعة مثل لبنان والأردن ومصر نفسها في مواجهة تحديات أكبر في خدمة ديونها الدولارية.

تعد الأردن الأكثر هشاشة في هذا السياق، نظرًا لاعتمادها الكبير على الصادرات للأسواق الأميركية، حيث تمثل صادراتها نحو 25% من مجمل صادراتها، ومع ذلك، قد تتمكن من تخفيف هذا الضغط بفضل علاقاتها الدبلوماسية مع واشنطن، وكونها حليفًا استراتيجيًا في السياسة الأميركية.

أما دول الخليج، فرغم ما تملكه من احتياطات مالية كبيرة وبرامج إصلاح طموحة، إلا أنها تواجه تحديًا مزدوجًا: تراجع الإيرادات النفطية من جهة، وتزايد تكلفة الاستيراد بالدولار من جهة أخرى.

ماذا بعد؟

في المقابل، تبرز فرص واعدة يمكن أن تسهم في تقليص آثار العاصفة التجارية، فالحرب التجارية تدفع بدول الشرق الأوسط، خاصة الخليج، إلى تعزيز الشراكات مع الأسواق الآسيوية سريعة النمو مثل الصين والهند.

وتشير توقعات إلى أن ممر التجارة بين مجلس التعاون الخليجي وآسيا سيواصل تسجيل نمو بنسبة 15% على المدى الطويل، مدفوعًا بمبادرات مثل “الحزام والطريق”.

كما أن تعزيز علاقات التعاون مع الولايات المتحدة قد يمنح هذه الدول بعض الحماية من ارتدادات الحرب التجارية، خصوصًا في ظل محاولات إدارة ترامب جذب دول الخليج بعيدًا عن النفوذ الصيني.

وتظهر خطوات مثل الزيارة المحتملة للرئيس الأميركي للسعودية والتنسيق حول سياسات إنتاج النفط كعوامل يمكن أن تخفف من التأثيرات السلبية وتمنح دول الخليج هامش مناورة أوسع.

ويبقى التحدي الحقيقي في قدرة دول المنطقة على تعزيز التنوع الاقتصادي وبناء شبكات تجارية أوسع تقلل من الاعتماد المفرط على الأسواق التقليدية، وهو ما بدأت به بالفعل بعض الدول مثل الإمارات من خلال اتفاقيات شراكة شاملة مع أسواق تمثل 40% من صادراتها الإجمالية.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *