ماذا حدث؟
في تحول سياسي لافت، فاز مارك كارني، الحاكم السابق لبنك كندا وبنك إنجلترا، بزعامة الحزب الليبرالي الكندي بأغلبية ساحقة، ليصبح رئيس الوزراء الجديد لكندا.
في خطابه بعد الفوز، وجّه كارني رسالة حاسمة إلى الجار الجنوبي، مؤكدًا أن “كندا لن تكون جزءًا من أمريكا بأي شكل من الأشكال”.
جاء هذا التصريح ردًا على تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على كندا وتلميحاته المتكررة حول إمكانية ضمها كولاية أمريكية جديدة.
كارني، الذي يدخل عالم السياسة لأول مرة، لم يخفِ موقفه الحازم تجاه القضايا الاقتصادية والأمنية، مشيرًا إلى أن بلاده مستعدة لأي مواجهة سياسية أو تجارية مع واشنطن.
لماذا هذا مهم؟
تولي كارني السلطة يأتي في وقت حرج يشهد توترًا متزايدًا بين أوتاوا وواشنطن، لا سيما في ظل سياسات ترامب الحمائية وتصاعد النزعة القومية الكندية.
كارني، بصفته خبيرًا اقتصاديًا عالميًا، يملك خبرة كبيرة في إدارة الأزمات المالية، حيث قاد بنك كندا خلال الأزمة المالية العالمية ثم واجه تداعيات “البريكست” أثناء قيادته لبنك إنجلترا، هذا يجعله مؤهلًا للتعامل مع حرب تجارية محتملة مع الولايات المتحدة.
كما أن الأمن القومي يشكل تحديًا آخر، إذ يواجه الشمال الكندي تهديدات متزايدة بسبب التغير المناخي واهتمام القوى الدولية بالمنطقة القطبية، وهو ملف قد يستدعي تعاونًا غير مسبوق مع واشنطن رغم التوترات السياسية.
على المستوى الداخلي، صعود كارني يأتي وسط تصاعد الشعور القومي الكندي، حيث يسعى الليبراليون لإعادة بناء الثقة الشعبية بعد فترة حكم جاستن ترودو المثيرة للجدل.
يتمثل التحدي الأبرز لكارني في الحفاظ على الزخم السياسي للحزب الليبرالي خلال الأشهر المقبلة، استعدادًا للانتخابات الوطنية قبل 20 أكتوبر، وسط منافسة محتدمة مع زعيم حزب المحافظين بيير بويليفر، الذي يتبنى سياسات أكثر تحفظًا تجاه الاقتصاد والعلاقات الخارجية.
ماذا بعد؟
مع دخول كارني معترك السياسة، سيكون عليه اتخاذ قرارات مصيرية بخصوص العلاقات مع الولايات المتحدة، فمن جهة، قد يسعى إلى إعادة ضبط العلاقات التجارية عبر توظيف حاجة واشنطن إلى الطاقة الكندية كوسيلة ضغط، ومن جهة أخرى، قد يتجه لتعزيز التعاون مع أوروبا كبديل استراتيجي لمواجهة سياسات ترامب غير المتوقعة.
أما على الصعيد الأمني، فإن مستقبل التعاون الكندي-الأمريكي في القطب الشمالي سيظل محوريًا، خاصة فيما يتعلق بمشروع “القبة الذهبية” للدفاع الصاروخي، الذي قد يفرض على كارني اتخاذ موقف واضح إما بالمشاركة الكاملة أو بالابتعاد عنه، في خطوة قد تعيد تشكيل سياسة الدفاع الكندية.
المرحلة المقبلة ستحمل تحديات كبيرة لكارني، إذ سيتعين عليه إثبات قدرته على تحويل خبرته الاقتصادية إلى نجاح سياسي، خاصة في ظل احتمالية إجراء انتخابات مبكرة. فهل سيتمكن من إعادة رسم السياسة الخارجية الكندية، أم أن التوترات مع واشنطن ستدفعه إلى خيارات صعبة قد تحدد مستقبل كندا لعقود قادمة؟