ماذا حدث؟
في الأشهر الأخيرة، انتشرت تقارير إعلامية غربية تفيد بأن الاقتصاد الروسي يعاني من أزمات متزايدة قد تدفع الرئيس فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
ووفقًا لتقرير نشرته واشنطن بوست في ديسمبر الماضي، فإن رجال الأعمال الروس يخشون أن تؤدي الزيادات في أسعار الفائدة، والتي تهدف لمكافحة التضخم، إلى شل الاقتصاد بحلول عام 2025.
وفي تحليل آخر نشرته بوليتيكو، زُعم أن بوتين قد يكون مستعدًا للتفاوض بشأن إنهاء الحرب لتجنب “الإفلاس المهين”.
على الرغم من العقوبات الاقتصادية الصارمة التي فرضتها الدول الغربية على روسيا منذ غزوها لأوكرانيا قبل ثلاث سنوات، إلا أن الاقتصاد الروسي أظهر صمودًا كبيرًا، فقد شهدت البلاد نموًا اقتصاديًا مدفوعًا بالإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية، إضافة إلى تعزيز الإنتاج العسكري.
ولكن في الأشهر الأخيرة، بدأت بوادر تراجع تظهر بسبب ارتفاع معدلات التضخم إلى 10% ونقص العمالة الناتج عن التجنيد الإجباري وهجرة الأيدي العاملة إلى الخارج، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة إلى 21% أدى إلى تباطؤ الاستثمارات.
لماذا هذا مهم؟
التوقعات الرسمية تشير إلى نمو اقتصادي بنسبة 2.5% لعام 2025، لكن العديد من المحللين يرون أن هذه التقديرات مفرطة في التفاؤل.
الاقتصاد الروسي يعاني من ركود متزايد، حيث أصبحت البلاد تعتمد بشكل كبير على الصين في استيراد السلع الصناعية والاستهلاكية، وهو ما يُعرض روسيا لتبعية اقتصادية متزايدة.
كما أن قطاعي الطيران والسيارات يواجهان تحديات هائلة، إذ تواجه روسيا صعوبة في الحصول على قطع غيار لطائراتها الغربية، بينما لا تزال الطائرات الروسية الجديدة بعيدة عن دخول الخدمة حتى 2027-2028.
أما قطاع السيارات، فقد أصبح السوق الروسي يعتمد بشكل رئيسي على السيارات الصينية، التي قد لا تكون مناسبة للبيئة الروسية القاسية، فيما تراجعت مبيعات السيارات المحلية مثل “لادا” بشكل ملحوظ.
من ناحية أخرى، تراجع الاستثمار في البحث والتطوير، حيث لم تتجاوز نسبة الإنفاق عليه 1% من الناتج المحلي الإجمالي لسنوات طويلة، ما أدى إلى ركود الابتكار التكنولوجي وضعف الإنتاجية في مختلف القطاعات.
ماذا بعد؟
على الرغم من أن روسيا ليست على وشك الانهيار الاقتصادي، إلا أن غياب النمو الحقيقي يشير إلى دخولها في مرحلة ركود طويل الأمد.
ومع ذلك، فإن الضغوط الاقتصادية وحدها لن تكون السبب الحاسم في إنهاء الحرب الأوكرانية، كما يعتقد البعض.
إنهاء الحرب قد يكون خيارًا استراتيجيًا لبوتين، ولكن ليس بدافع اقتصادي بحت، بل من أجل تعزيز صورته كزعيم قوي يستحق الاحترام من القوى العالمية، وخاصة الولايات المتحدة.
على مدار التاريخ، سعى قادة الاتحاد السوفييتي وروسيا الحديثة إلى الحصول على اعتراف دولي بمكانتهم كقوة عظمى، وهو ما قد يكون الدافع الحقيقي لأي تغيير في سياسات الكرملين خلال الفترة المقبلة.
في ظل هذه الظروف، قد تستمر روسيا في محاولاتها للحفاظ على اقتصادها عبر سياسات تقشفية وتوسيع تحالفاتها الاقتصادية مع الدول الصديقة، ويبقى السؤال: هل سيؤدي هذا إلى تغيير جذري في موقفها من الحرب؟ أم أن موسكو ستواصل السير في طريق المواجهة رغم التكاليف الباهظة؟