ماذا حدث؟
في خطاب استمر 90 دقيقة أمام الكونغرس الأمريكي في 4 مارس، أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إحياء رغبته في “الحصول على غرينلاند بأي وسيلة”، مؤكدًا أنها ضرورية للأمن القومي الأمريكي.
ولم تقتصر طموحات ترامب الجيوسياسية على غرينلاند، بل امتدت إلى بحث “صفقة” محتملة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تشمل تنازلات إقليمية من أوكرانيا، وتهيئة الأرضية لشراكة اقتصادية أوسع بين الولايات المتحدة وروسيا.
هذا التقارب الأمريكي-الروسي بدأ يمتد ليشمل القطب الشمالي، حيث يبحث الطرفان عن اتفاق يتيح لهما استغلال الموارد المعدنية الضخمة في المنطقة.
وإذا تحقق ذلك، فقد يعني نهاية مبدأ “التعاون الدائري” بين الدول القطبية الثمانية (A8) التي عملت لعقود على حماية بيئة القطب الشمالي وتطويره بشكل مستدام.
لماذا هذا مهم؟
القطب الشمالي ليس مجرد مساحة جليدية نائية، بل يمثل إحدى أهم مناطق العالم من حيث الموارد الطبيعية، خاصة مع تزايد ذوبان الجليد بسبب التغير المناخي، مما يسهل الوصول إلى ثرواته الهائلة من النفط والغاز والمعادن النادرة.
منذ تأسيس مجلس القطب الشمالي عام 1996، عملت الدول الثمانية على تنسيق الجهود لحماية البيئة القطبية وتعزيز التنمية المستدامة.
كما لعب المجلس دورًا أساسيًا في إبرام معاهدات قانونية مهمة مثل اتفاقيات البحث والإنقاذ والتعاون العلمي وحماية المحيط المتجمد الشمالي من الصيد الجائر.
لكن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى تعليق الاجتماعات العادية للمجلس وعزل موسكو عن التعاون الغربي، ومع ذلك، واصلت روسيا تعزيز علاقاتها مع دول أخرى مثل الصين والهند وتركيا والسعودية، مما أثار مخاوف الناتو من تنامي النفوذ الروسي-الصيني في القطب الشمالي.
الآن، ومع التقارب الأمريكي-الروسي الجديد، يبدو أن هناك تهديدًا حقيقيًا لنظام التعاون القطبي التقليدي، حيث قد تصبح المنطقة مسرحًا لصفقات اقتصادية كبرى تتجاهل الأطر الدولية السابقة.
ماذا بعد؟
التغيرات السياسية الأخيرة تضع مستقبل القطب الشمالي في مفترق طرق، فإذا قررت إدارة ترامب الانسحاب من المؤسسات الدولية، كما ألمح إلى ذلك في أمر تنفيذي صدر في 4 فبراير، فقد يشمل ذلك أيضًا التخلي عن دعم مجلس القطب الشمالي.
وإذا فقد المجلس دعم الولايات المتحدة، فقد يصبح بلا قيمة، مما يفتح الباب أمام تقسيم القطب بين القوى الكبرى دون مراعاة المصالح البيئية أو حقوق الشعوب الأصلية التي تعيش في المنطقة.
كما أن خروج واشنطن من اتفاقيات التعاون البيئي قد يؤدي إلى تفاقم الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، حيث سيتحول تركيز القطب الشمالي من الاستدامة إلى الاستغلال الاقتصادي البحت.
وفي حال دعمت واشنطن مطالب روسيا بإعادة التفاوض على معاهدة سفالبارد لعام 1920، فقد نشهد تحولات دراماتيكية في ميزان القوى بالمنطقة، قد تُقصي دول الشمال الأوروبي من المشاركة الفعالة في قرارات مصيرية تتعلق بمستقبلها.
أوروبا، التي تعاني من تراجع نفوذها الجيوسياسي، قد تجد نفسها مجبرة على قبول نهاية التعاون القطبي كما عرفناه لعقود. وإذا تحقق سيناريو “تقسيم القطب الشمالي” بين واشنطن وموسكو، فسيكون لذلك عواقب وخيمة على الأبحاث العلمية، وحماية التنوع البيولوجي، وحقوق الشعوب الأصلية، ومستقبل البيئة القطبية ككل.