تعيش سوريا على وقع مواجهات دامية منذ عدة أيام، حيث اندلعت أعنف الاشتباكات منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، وقد تركزت المعارك في مناطق الساحل السوري، مع تصاعد نفوذ الفصائل المسلحة هناك.
وأعلنت السلطات السورية عن تعزيز الانتشار الأمني في المناطق الساحلية بغرب البلاد، وفرض سيطرتها على مناطق شهدت مواجهات عنيفة، أسفرت عن مقتل مئات المدنيين العلويين على يد قوات الأمن ومجموعات موالية لها، وفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان.
العلويون في سوريا.. أصولهم وتوزيعهم
يُقدَّر عدد العلويين في سوريا بنحو 1.7 مليون نسمة، أي ما يعادل 9% من إجمالي السكان، ويتمركزون بشكل رئيسي في محافظتي اللاذقية وطرطوس، بالإضافة إلى مناطق متفرقة في حمص وحماة وريف دمشق.
لطالما ارتبط العلويون بالسلطة في سوريا، لا سيما مع سيطرة عائلة الأسد على الحكم، حيث حظي أفراد الطائفة بنفوذ واسع في المناصب القيادية بالدولة والجيش.
مع ذلك، فإن الحرب السورية أثرت بشكل كبير على المجتمع العلوي، إذ فقد العديد من شبابه حياتهم في المعارك، ما دفع بعضهم إلى البحث عن طرق للتهرب من الخدمة العسكرية الإجبارية.
دولة العلويين بين الاستقلال والاندماج
ارتبط العلويون تاريخيًا بالمناطق الساحلية، حيث أسس الاحتلال الفرنسي “دولة جبل العلويين” عام 1920، والتي استمرت حتى 1936.
كانت الدولة في البداية تحت الحكم الذاتي، وأعلنت رسميًا كدولة مستقلة عام 1923، وعاصمتها اللاذقية، ثم أعيدت تسميتها عام 1925 إلى “الدولة العلوية”، قبل أن يتم دمجها نهائيًا ضمن الجمهورية السورية عام 1936.
من النصيرية إلى العلوية
يعتبر بعض الباحثين أن العلويين يمثلون فرعًا مميزًا من الإسلام الشيعي، نظرًا لاعتقادهم بعقيدة “التناسخ” التي ترفضها المذاهب الإسلامية التقليدية، سواء الشيعية أو السنية.
وبحسب الباحث فابريس بالونش من معهد واشنطن، فإن العقيدة العلوية تمزج بين عناصر من الأديان التوحيدية الكبرى، بما في ذلك الإسلام والزرادشتية، مع طقوس غامضة وسرية.
تعود جذور الطائفة العلوية إلى محمد بن نصير البكري النميري، الذي عاش في القرن التاسع الميلادي، وادعى أنه كان تلميذًا للإمامين العاشر والحادي عشر عند الشيعة، معلنًا نفسه “بوابة الحقيقة”، وقد أُطلق على أتباعه حينها اسم “النصيريين”.
ومع مجيء الاستعمار الفرنسي، تم تغيير التسمية إلى “العلويين” لتعزيز ارتباطهم بالمجتمع الإسلامي الأوسع.
العلويون في الحكم
لم يتم الاعتراف رسميًا بالعلويين كمسلمين حتى عام 1932، عندما أصدر مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني فتوى تؤكد إسلامهم، بهدف تقويض النفوذ الفرنسي في سوريا.
وقد ساهمت هذه الفتوى في منح العلويين ضمانات بالمساواة في الدولة السورية المستقبلية، لكن هذا لم يمنع استمرار الجدل حول هويتهم.
اكتسب العلويون نفوذًا واسعًا مع صعود حزب البعث إلى السلطة عام 1963، ثم تعزز هذا النفوذ مع استيلاء حافظ الأسد على الحكم عام 1970، حيث تم تعيين أبناء الطائفة في مناصب مؤثرة داخل الجيش والمخابرات والوزارات الرئيسية.
الدولة العلوية.. خيار مستبعد أم ملاذ أخير؟
مع اندلاع الثورة السورية، طُرحت فكرة إنشاء “ملاذ آمن” لبشار الأسد في المناطق العلوية، في سيناريو يشبه إعادة إحياء دولة العلويين التاريخية، إلا أن هذا الخيار يبدو صعب التحقيق لعدة أسباب:
– القيود الاقتصادية: تفتقر هذه المناطق إلى الموارد الاقتصادية والصناعية، كما أنها غير غنية بالنفط، مما يجعلها غير قابلة للاستمرار كدولة مستقلة.
– الموقع الجغرافي: تحيط بها مناطق يسيطر عليها السنة، مما يجعلها عرضة للحصار والعزلة.
– المواقف الإقليمية والدولية: تعارض تركيا بشدة إنشاء كيان علوي، خشية تداعياته على علوييها، كما أن روسيا، رغم دعمها للأسد، قد تجد في الدولة العلوية عبئًا استراتيجيًا أكثر من كونه مكسبًا.
– التحالفات المتغيرة: إيران وحزب الله قد يعيدان النظر في دعمهما للعلويين بعد سقوط النظام، فيما قد تكون الصين غير معنية بدعم مثل هذا الكيان نظرًا لعدم وجود مصالح استراتيجية مباشرة لها في المنطقة.
بين التطمينات والمخاوف
تحاول السلطة الجديدة في سوريا تقديم تطمينات للأقليات، لكن العلويين يخشون من ردود فعل انتقامية بسبب ارتباطهم الطويل بالنظام السابق.
الأحداث الأخيرة في الساحل السوري، حيث قُتل أكثر من ألف شخص، تؤكد تصاعد التوترات الطائفية، وسط تحذيرات من أن الوضع قد يتحول إلى “قنبلة موقوتة”.
وعلى الرغم من الوعود الدولية بحماية الأقليات، فإن مستقبل العلويين في سوريا يبقى غامضًا، وسط مخاوف من التهجير أو الانتقام الطائفي، في بلد تمزقه الصراعات منذ أكثر من عقد.