ماذا حدث؟
منذ توليه منصبه، انتهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسات اقتصادية عدائية تجاه الصين، شملت فرض قيود تجارية مشددة، وكانت أحدث هذه الإجراءات فرض تعريفة جمركية بنسبة 20% على جميع الواردات الصينية، بالإضافة إلى قيود تكنولوجية صارمة ضمن سياسة “أمريكا أولاً” الاستثمارية.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتصاعد فيها التوترات بين القوتين الاقتصاديتين، إذ شهد التاريخ صراعات متكررة بينهما، سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري أو الأيديولوجي.
في المقابل، لم تقف الصين مكتوفة الأيدي أمام هذه السياسات، بل تبنت استراتيجية ثلاثية الأبعاد في الرد:
أولًا، أعلنت رسميًا عن استيائها من الإجراءات الأمريكية وأكدت أن هذه السياسات تضر بالاقتصاد العالمي.
ثانيًا، اتخذت تدابير داخلية لحماية صناعاتها المتضررة، مثل ضخ مليارات الدولارات لدعم قطاع التكنولوجيا المحلي.
ثالثًا، لجأت إلى فرض عقوبات مضادة، كما فعلت عام 2018 عندما فرضت تعريفة جمركية بنسبة 25% على فول الصويا الأمريكي، ما اضطر الحكومة الأمريكية لتعويض المزارعين عن خسائرهم.
لماذا هذا مهم؟
انعكاسات هذه الحرب التجارية لم تقتصر على طرفي النزاع فقط، بل امتدت إلى إفريقيا، التي باتت طرفًا غير مباشر يدفع ثمن الصراع بين العملاقين.
بعدما فرضت واشنطن جولة جديدة من الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية في 2025، ردت بكين بالإعلان عن حزمة سياسات جديدة تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع إفريقيا، في خطوة تُفسَّر على أنها إعادة توجيه استراتيجي للتجارة الصينية بعيدًا عن الأسواق الأمريكية.
لم يكن هذا التوجه جديدًا، إذ سبق أن شهدت العلاقات الصينية-الإفريقية قفزات نوعية كلما احتدمت المواجهة بين بكين وواشنطن.
على سبيل المثال، عقب تصاعد التوترات في 2018، نظمت الصين منتدى التعاون الصيني-الإفريقي وأطلقت معرضًا دائمًا في مقاطعة هونان لتعزيز التجارة مع القارة السمراء، خصوصًا في المجال الزراعي.
اليوم، ومع إزاحة المنتجات الأمريكية من السوق الصينية، يجد المزارعون الأفارقة فرصة ذهبية لتوسيع صادراتهم إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقد بدأت بعض الدول الإفريقية، مثل تنزانيا، في الاستفادة من هذه الظروف عبر تعزيز استثماراتها الزراعية في الصين.
كما تم إنشاء مناطق تعاون تجاري مشتركة بين الصين ودول إفريقية، مثل نيجيريا والنيجر وكينيا، لتعميق العلاقات الاقتصادية والاستفادة من الفراغ الذي تركته المنتجات الأمريكية.
ماذا بعد؟
مع استمرار الحرب التجارية، يتزايد اعتماد الصين على إفريقيا كمصدر بديل للسلع الزراعية والمواد الخام الضرورية لصناعاتها التكنولوجية، ويبقى السؤال: هل تستطيع الدول الإفريقية استغلال هذه الفرصة لتعزيز استقلالها الاقتصادي، أم أنها ستظل مجرد بديل مؤقت ضمن لعبة الكبار؟
تشير التوقعات إلى أن الصين ستواصل ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتكنولوجيا داخل إفريقيا، مستفيدة من الاحتياج المتزايد لموارد القارة.
ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر يكمن في قدرة الحكومات الإفريقية على إدارة هذه العلاقة بحكمة، بحيث لا تتحول إلى مجرد سوق بديل للصين، بل تستثمر هذا التعاون في بناء صناعات محلية قادرة على المنافسة عالميًا.
في ظل هذه التطورات، ستظل إفريقيا في قلب المواجهة الاقتصادية بين واشنطن وبكين، فإما أن تستغل الفرصة لصالحها، أو أن تتحمل تبعات صراع لا يد لها فيه.