وسط تقلبات الأوضاع في المنطقة.. هل تحقق تركيا أحلامها؟

#image_title

ماذا حدث؟

في ظل عالم متغير ومتعدد الأقطاب، أدركت الدول أن تحقيق الاستقلالية الاستراتيجية لم يعد ترفًا، بل ضرورة لضمان مستقبلها.

تركيا، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، كانت تسعى لتحقيق هذه الاستقلالية عبر سياسة خارجية “وطنية حازمة”، لكنها انتهت إلى عزلة دولية أضعفت قدرتها على تحقيق أهدافها.

ومع تزايد التحديات، بات أردوغان يدرك أن الطريق إلى الاستقلالية الاستراتيجية لا يتمثل في المواجهة، بل في بناء التحالفات، وخاصة في قطاع الطاقة.

تعتمد تركيا على روسيا وإيران والعراق في تلبية احتياجاتها من الطاقة، وهو ما يجعلها عرضة للضغوط السياسية والاقتصادية.

وللحد من هذه التبعية، تسعى أنقرة إلى التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، يربط منتجي الغاز الطبيعي في الشرق والجنوب بأسواق الغرب، غير أن تحقيق هذا الطموح يستلزم إعادة النظر في السياسة الخارجية التركية، التي تسببت في توتر العلاقات مع العديد من الدول، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط.

لماذا هذا مهم؟

في العقد الماضي، انتهجت أنقرة سياسة خارجية تعتمد على التدخل العسكري والتوسع الإقليمي، ما أدى إلى عزلة دبلوماسية.

من ليبيا إلى سوريا وشرق المتوسط، انخرطت تركيا في مواجهات عسكرية وتوترات دبلوماسية، ما جعلها تخسر فرصًا اقتصادية مهمة، وأبرزها مشروع أن تصبح مركزًا للطاقة.

على سبيل المثال، توترت العلاقات بين تركيا والعراق بسبب دعم أنقرة لتصدير النفط من إقليم كردستان دون موافقة بغداد، ما دفع الأخيرة إلى رفع دعوى قضائية انتهت بحكم يلزم تركيا بدفع تعويضات ضخمة.

كذلك، فإن دعم أنقرة لجماعات إسلامية خلال الربيع العربي أدى إلى تشكيل تحالفات إقليمية مناهضة لها، خاصة من قبل مصر واليونان وقبرص والإمارات.

لكن اليوم، مع التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، يبدو أن تركيا تحاول تصحيح مسارها، فسقوط نظام بشار الأسد في سوريا في ديسمبر 2024، وتراجع النفوذ الإيراني والروسي، وانسحاب القوات الأمريكية من العراق وسوريا، كل ذلك خلق واقعًا جديدًا قد تستفيد منه أنقرة لتعزيز دورها الإقليمي، خاصة في مجال الطاقة.

تركيا بدأت بالفعل في إصلاح علاقاتها مع العراق من خلال اتفاقيات جديدة حول تصدير النفط، كما اقتربت من توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع الحكومة الجديدة في سوريا، مما قد يمنحها نفوذًا أكبر في شرق المتوسط.

ماذا بعد؟

التحولات الجيوسياسية توفر لتركيا فرصة نادرة لإعادة تموضعها كلاعب رئيسي في المنطقة، لكن تحقيق ذلك يتطلب استمرارية في سياسة الانفتاح والتعاون، وليس العودة إلى نهج المواجهة. في العراق، الاتفاقيات الأخيرة حول النفط والمياه قد تؤدي إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية، لكن نجاحها يعتمد على مدى التزام الطرفين بتنفيذ الاتفاقات.

أما في سوريا، فإن توقيع اتفاقية للحدود البحرية قد يفتح الباب أمام مشاريع طاقة جديدة، لكنه سيضع تركيا في مواجهة محتملة مع دول شرق المتوسط التي تعارض توسع نفوذ أنقرة في المنطقة.

أما على الصعيد الدولي، فإن تركيا قد تستغل العقوبات الغربية على روسيا لصالحها، من خلال تقديم نفسها كبديل استراتيجي لنقل الغاز إلى أوروبا.

ورغم معارضة موسكو، فإن الخيارات أمامها محدودة، خاصة في ظل سعي أوروبا لفك ارتباطها بالطاقة الروسية.

ومع ذلك، فإن نجاح تركيا في تحقيق هذا الطموح مرهون بمدى قدرتها على تحقيق التوازن بين علاقاتها مع الغرب وروسيا، دون إثارة صراعات جديدة قد تعرقل طموحاتها.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *