غزة بين جحيم الحاضر ووعود ترامب

#image_title

كتب / سعود عبدالعزيز

ماذا حدث؟

ضجت وسائل الإعلام بتقارير عن مفاوضات غير مسبوقة تجري بين الولايات المتحدة وحركة حماس، وهي خطوة صادمة بالنظر إلى أن واشنطن تُعد الحليف الاستراتيجي الأول لإسرائيل، بينما تعتبر حماس عدوها الأول في هذه المرحلة. هذا التقارب أثار غضب تل أبيب، التي عبّرت عن استيائها الشديد من المباحثات السرية الجارية خلف الأبواب المغلقة.

التقارير تفيد بأن الوساطة القطرية كانت حاسمة في تيسير هذه الاتصالات، خاصة أن الدوحة تُعتبر داعمًا رئيسيًا لحماس وحاضنة لجماعات كالإخوان المسلمين. ووفقًا للمصادر، فإن الهدف الأساسي لهذه المباحثات هو تأمين الإفراج عن الرهائن الأمريكيين المحتجزين في غزة، وهو ما يعكس تحولًا كبيرًا ومفاجئًا في موقف واشنطن تجاه حماس، ويضع الأزمة الإنسانية في القطاع في بؤرة الاهتمام العالمي.

لماذا هذا مهم؟

قبل وصول ترامب إلى السلطة، شهدت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تصعيدًا ملحوظًا، وخصوصًا بعد تصريحاته المثيرة للجدل حول إمكانية “بيع غزة” وتهجير سكانها، ما أثار موجة غضب عارمة في العالم العربي، خاصة من دول كالسعودية، الإمارات، مصر، الأردن، والبحرين. لاحقًا، حاول ترامب تهدئة الأوضاع بالقول إن الأمر كان مجرد “مقترح” وليس نية فعلية للتهجير القسري.

لكن الحديث عن غزة عاد إلى الواجهة مجددًا بعد ورود أنباء عن التزام الإدارة الأمريكية بتزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه لتعزيز قدراتها العسكرية في حربها ضد حماس والجماعات التي يصنفها الكونغرس كإرهابية. وبعد انعقاد القمة العربية الطارئة لإعادة إعمار غزة، انفجرت مفاجأة جديدة: مفاوضات سرية بين أمريكا وحماس، ما دفع ترامب نفسه لإصدار تحذير ناري موجّه لحماس وسكان غزة، مهددًا بالموت أو الإفراج الفوري عن الرهائن.

ما يجعل هذه التحولات أكثر إثارة هو الأسلوب “الترامبي” غير التقليدي في التفاوض. فبينما يقود مبعوثه الخاص، آدام بولر، مباحثات مع حماس، يطلق ترامب تصريحات عدائية لإرضاء إسرائيل. هذا النمط المزدوج من الدبلوماسية يعكس استراتيجية جديدة غير مألوفة في السياسة الأمريكية، ويضع الإعلام العربي أمام تحدي فهم عقلية ترامب وكيفية التعامل مع قراراته المتقلبة.

ماذا بعد؟

من يعرف أسلوب ترامب في التفاوض، يدرك أنه يسعى دائمًا لإرضاء جميع الأطراف، حتى لو كان ذلك عبر التصريحات المتناقضة. فبعد التوصل إلى اتفاق أولي مع حماس بشأن الرهائن، تم الإعلان عن بدء المرحلة الثانية من المفاوضات، في خطوة بدت غير متوقعة نظرًا لتهديداته الأخيرة.

لكن المفارقة أن ترامب يستخدم تهديداته كجزء من الصفقة نفسها: فهو يطلق التحذيرات ليضمن التزام الطرف الآخر، وفي الوقت ذاته يُغلفها بغلاف يُرضي نتنياهو وإسرائيل، حفاظًا على التوازن الدبلوماسي.

في المشهد القادم، يبدو أن واشنطن ستواصل دعمها العسكري لإسرائيل، التي قد ترد باجتياح بري خاطف لغزة، في عملية عسكرية غير مسبوقة تهدف إلى توجيه ضربة قاتلة لحماس وإيقاع خسائر بشرية جسيمة. بعدها، قد تُفتح مفاوضات جديدة تُجبر حماس على تقديم تنازلات، مقابل انسحاب جزئي إسرائيلي من بعض المناطق التي ضمّتها مؤخرًا.

وفيما تنتظر خطة إعادة الإعمار العربية دخول حيّز التنفيذ، سيكون العالم العربي أمام اختبار حقيقي: هل ستتمكن الجامعة العربية من فرض إرادتها، أم ستبقى مجرد متفرج على رسم مستقبل غزة؟

في المقابل، يبدو أن الجماعات المتطرفة، كحزب الله وحماس، في طريقها إلى فقدان دورها المركزي في القضية الفلسطينية، بينما تزداد فرص بروز دور عربي أوسع في تحديد مستقبل القطاع. الأيام القادمة ستحمل إجابات على هذه التساؤلات، لكن المؤكد أن غزة لا تزال بين نيران الجحيم ووعود بمستقبل غير معلوم.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *