يشهد السودان تطورًا خطيرًا مع تصاعد الحديث عن تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وهو الأمر الذي يهدد بمزيد من التفكك والانقسام في بلد يعاني من صراع أهلي مستمر منذ أبريل 2023.
أعربت مصر عن رفضها القاطع لهذه المحاولات، محذرة من أنها تعقد المشهد السياسي وتعرقل جهود توحيد الرؤى السودانية.
ومع تزايد هذه التحركات، يبرز التساؤل حول إمكانية قيام دولة في غرب السودان، ومدى قدرتها على الصمود، والتداعيات المحتملة على السودان ودول الجوار.
فلماذا تم الإعلان الآن؟ وهل تنجح الحكومة الموازية في إقامة دولة جديدة في غرب السودان؟
خطوة ليست مفاجئة
أكدت الدكتورة نجلاء مرعي أن خطوة تشكيل حكومة موازية لم تكن مفاجئة، لكنها جاءت في توقيت حرج بعد انهيار قوات الدعم السريع وفقدانها لمناطق استراتيجية، ما دفعها لمحاولة خلق توازن سياسي لتعويض خسائرها العسكرية.
وأوضحت مرعي، في تصريح خاص لـ”بريفليكس”، أن توقيت هذه الخطوة مرتبط بتراجع قوات الدعم السريع ميدانيًا بعد استعادة الجيش السوداني للخرطوم، وهو ما دفع قادتها لمحاولة إيجاد موطئ قدم سياسي لتعويض الخسائر العسكرية.
وأشارت مرعي إلى أن اختيار نيروبي لاستضافة مراسم توقيع الميثاق الخاص بالحكومة الموازية جاء بسبب موقف كينيا المحايد ظاهريًا وعدم تدخلها المباشر في شؤون الدول الأخرى، لكنها لفتت إلى أن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة كانا وراء تنظيم المؤتمر، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان هناك توجه دولي لإضفاء شرعية على الحكومة الجديدة.
وأكدت مرعي أن هناك رفضًا واسعًا داخل السودان لهذه الحكومة الموازية، حيث أعلنت 18 كيانًا سياسيًا وحزبيًا رفضها لهذه الخطوة، من بينها ائتلاف “صمود” الذي يتزعمه عبدالله حمدوك، وأضافت أن هذا الانقسام السياسي قد يفاقم الأزمة، إذ لن ينسى الشعب السوداني الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع.
وأوضحت مرعي أن الدعم السريع لن يتمكن من إضفاء شرعية على حكومته، نظرًا للرفض الشعبي الواسع، مشيرة إلى أن محاولاته للالتفاف على مجلس السيادة السوداني قد تفشل في ظل استمرار دعم المجتمع الدولي للحكومة المركزية بقيادة الجيش.
عوامل عدة
يرى رامي زهدي، خبير الشؤون الإفريقية الإقتصادية والسياسية، عضو مركز ايچبشن انتربرايز للسياسات والدراسات الإستراتيچية، أن سيناريو إقامة دولة في غرب السودان يرتبط بعدة عوامل عسكرية، سياسية، واقتصادية.
وأوضح زهدي، في تصريح خاص لـ”بريفليكس”، بأن قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” تسيطر على أجزاء واسعة من دارفور، ولها شبكة علاقات إقليمية ودولية قد تدعم استقلالها.
كما أشار إلى وجود مؤشرات على تحركات دبلوماسية غير رسمية تمهد للاعتراف الدولي بهذا الكيان، سواء من قوى غربية تسعى لضبط التوازنات في المنطقة، أو من أطراف إقليمية قد تستفيد من وجود كيان جديد يمكن التفاوض معه.
وأضاف أن الجيش السوداني رغم تحقيقه انتصارات متوالية، لا يزال يواجه تحديات في بسط سيطرته الكاملة على الإقليم، مما يعزز احتمال نشوء كيان مستقل بحكم الأمر الواقع.
الاقتصاد والجغرافيا
وأوضح زهدي أن إقليم دارفور غني بالموارد الطبيعية مثل الذهب واليورانيوم، بالإضافة إلى الثروة الحيوانية والزراعية، وهو ما قد يساعد على بناء اقتصاد مستقل إذا تم استغلاله بشكل منظم، لكنه أضاف أن التجربة التاريخية لانفصال جنوب السودان أظهرت أن الموارد وحدها لا تكفي، حيث قد يؤدي غياب الإدارة الرشيدة إلى انهيار الدولة الجديدة في صراعات داخلية.
وأشار زهدي إلى أن دارفور تمتلك حدودًا مع ليبيا، تشاد، وجنوب السودان، مما يمنحها عمقًا استراتيجيًا، لكن في الوقت نفسه، قد يكون التداخل العرقي والقبلي عاملًا في اندلاع نزاعات حدودية مستمرة.
تحديات عدت
أوضح زهدي أن تجربة جنوب السودان تقدم نموذجًا لما قد يحدث في دارفور، مشيرًا إلى عدة تحديات، أبرزها:
– غياب المؤسسات القوية: الدعم السريع ليس كيانًا متجانسًا، بل يتألف من مجموعات قبلية مسلحة، مما يصعّب تشكيل جيش موحد لدولة مستقلة.
– الاقتصاد الهش: عدم امتلاك الدولة الجديدة لمنافذ بحرية سيجعلها تعتمد على الدول المجاورة، مما قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية خانقة.
– التدخلات الخارجية: قد تصبح الدولة الوليدة ساحة لصراعات النفوذ بين القوى الدولية والإقليمية، مما يعيق بناء كيان مستقر.
وقال زهدي إن هناك دولًا قد يكون لها مصلحة في دعم سيناريو تقسيم السودان، ومنها: الولايات المتحدة والدول الغربية التي ترى في التقسيم فرصة لتقليص نفوذ الصين وروسيا في المنطقة، وكذلك إسرائيل فقد تدعم الكيان الجديد لإضعاف السودان.
كما أشار إلى أن بعض دول الجوار مثل تشاد التي قد تجد في الدولة الوليدة حليفًا سياسيًا، وجنوب السودان الذي قد يسعى لضمان عدم عودة السودان كدولة موحدة.
تأثير إقامة هذه الدولة
أشار زهدي إلى أن تقسيم السودان سيؤثر بشكل مباشر على دول المنطقة:
– مصر: قد تواجه تحديًا أمنيًا على حدودها الجنوبية، بالإضافة إلى تهديد استقرار حوض النيل.
– ليبيا: قد تصبح الدولة الجديدة نقطة عبور للمقاتلين والمهربين.
– تشاد: التداخل العرقي قد يجرها إلى صراعات داخلية.
– جنوب السودان: قد يواجه مطالب انفصالية داخلية.