ماذا حدث؟
في الرابع من فبراير، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مذكرة رئاسية تعيد إدارة سياسته إلى حملة “الضغط الأقصى” ضد إيران، ومع ذلك، فإن الظروف الجيوسياسية والاقتصادية قد تغيرت بشكل جذري منذ أن تم تطبيق هذه السياسة في ولايته الأولى.
في عام 2018، انسحبت إدارة ترامب الأولى من الاتفاق النووي الإيراني، المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA)، وأعادت فرض عقوبات صارمة على صادرات النفط الإيرانية.
في ذلك الوقت، كانت إيران تبيع نفطها في السوق المفتوحة، وكان لديها عملاء كبار مثل الهند وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا، ومع فرض العقوبات، تم منح هذه الدول إعفاءات مؤقتة لتقليل مشترياتها من النفط الإيراني تدريجيًا، مما أدى إلى انخفاض كبير في صادرات إيران وعزلها عن الأسواق العالمية.
اليوم، تغيرت الصورة بشكل كبير، أصبحت الصين السوق الرئيسي الوحيد للنفط الإيراني، حيث تستفيد مصافي التكرير الصينية، وخاصة المصافي الصغيرة المعروفة باسم “مصافي الشاي”، من الأسعار المخفضة للنفط الإيراني.
هذه المصافي تعمل خارج النظام المالي الأمريكي، وتدفع باليوان الصيني بدلًا من الدولار، مما يجعلها أقل تأثرًا بالعقوبات الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، تستخدم إيران أساليب ملتوية لإخفاء مصادر نفطها، مثل إعادة تسمية الشحنات على أنها قادمة من ماليزيا أو عُمان.
لماذا هذا مهم؟
تكتسب هذه التطورات أهمية كبيرة في ظل التحديات الجيوسياسية الحالية. فمع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022، شهدت أسواق النفط العالمية اضطرابات كبيرة، مما دفع إدارة بايدن إلى تخفيف تطبيق العقوبات على صادرات النفط الإيرانية بشكل غير رسمي.
هذا التخفيف سمح لإيران بزيادة صادراتها النفطية بشكل ملحوظ، حيث ارتفعت من حوالي 500 ألف برميل يوميًا في عام 2019 إلى 1.7 مليون برميل يوميًا في عام 2024.
ومع عودة ترامب إلى سياسة “الضغط الأقصى”، تواجه واشنطن تحديات جديدة. فالصين، باعتبارها المشتري الرئيسي للنفط الإيراني، تمتلك نفوذًا كبيرًا في تحديد مدى فعالية العقوبات.
إذا قررت الصين تقليل مشترياتها من النفط الإيراني، فإن إيران ستواجه أزمة اقتصادية حادة، ومع ذلك، فإن العلاقات المتوترة بين واشنطن وبكين تجعل من الصعب على الولايات المتحدة الضغط على الصين لتقليل استيرادها من النفط الإيراني.
ماذا بعد؟
في المستقبل، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى سياسات أكثر مرونة لتحقيق أهدافها، فبدلًا من الاعتماد فقط على العقوبات، يمكن لواشنطن أن تقدم حوافز لإيران، مثل السماح باستثمارات أجنبية في قطاع الغاز الطبيعي الإيراني، الذي يعاني من نقص حاد في الإنتاج رغم امتلاك إيران لثاني أكبر احتياطيات غاز في العالم.
هذه الخطوة يمكن أن تساعد إيران في تحسين أمنها الطاقة دون زيادة إيراداتها النفطية، مما يفتح الباب أمام مفاوضات دبلوماسية جديدة.
ومع ذلك، فإن أي تغيير في سياسة العقوبات يجب أن يتم بحذر، فإعادة فتح قطاع الطاقة الإيراني أمام الاستثمارات الدولية قد يؤدي إلى تعقيدات جيوسياسية، خاصة إذا دخلت شركات صينية أو روسية إلى السوق.
ختامًا، فإن نجاح عقوبات ترامب ضد إيران هذه المرة يعتمد بشكل كبير على قدرة واشنطن على التعامل مع التحديات الجديدة، خاصة في ظل التغيرات الكبيرة في أسواق الطاقة والعلاقات الدولية، فإذا تمت إدارة هذه السياسة بحكمة، فقد تفتح الباب أمام اتفاق جديد مع إيران، لكن إذا فشلت، فإن إيران قد تستمر في التكيف مع العقوبات، مما يقلل من فعاليتها كأداة ضغط دبلوماسي.