الرقص في دمشق.. كيف يعيش الفنانون تحت حكم الإسلاميين؟

#image_title #separator_sa #site_title

ماذا حدث؟

في ليلة شتوية من ليالي دمشق، اجتمع المئات في ساحة تاريخية في المدينة القديمة، يرقصون ويغنون وسط أجواء من الفرح خلال حفل موسيقي أقيم بموافقة السلطات الإسلامية الجديدة التي تولت الحكم بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.

كان هذا المشهد بمثابة مفاجأة للعديد من الفنانين، ومن بينهم المغني محمود الحداد، الذي أعرب عن مخاوفه من أن يؤدي صعود هيئة تحرير الشام – التي نشأت من فكر الجهاد العالمي – إلى قمع الفنون، لكن الأمر جاء على عكس توقعاته، حيث أكد الحداد أن السلطات الجديدة لم تكتفِ بالسماح بالحفل، بل عرضت توفير الحماية له أيضًا.

هذه التطورات جاءت في أعقاب انهيار نظام الأسد الذي حكم سوريا بقبضة حديدية لأكثر من خمسة عقود، وفتح الباب أمام الإسلاميين لتولي زمام الأمور.

ومع ذلك، لم تتبع هذه السلطة الجديدة خطًا متشددًا كحركة طالبان في أفغانستان، التي حظرت الموسيقى ودمرت الآثار الثقافية، بل اتخذت نهجًا أكثر انفتاحًا تجاه الفنون والثقافة.

لماذا هذا مهم؟

يمثل هذا التحول في موقف الإسلاميين الجدد من الفنون نقطة تحول هامة في المشهد الثقافي السوري، فرغم أن هيئة تحرير الشام حكمت محافظة إدلب لسنوات بسياسات صارمة ضد الموسيقى والتصوير الفني، فإن سياساتها الجديدة في دمشق تعكس نهجًا أكثر براغماتية.

فقد تم السماح بعودة العروض الفنية، بما في ذلك عروض الرقص المعاصر في المعهد العالي للفنون المسرحية، وإقامة معرض فني بارز في المتحف الوطني يضم لوحات بها صور بشرية، وهو ما كان يُعتبر محظورًا في ظل بعض التفسيرات المتشددة للإسلام.

يبدو أن السلطات الإسلامية الجديدة تحاول تقديم نفسها بصورة أكثر اعتدالًا، سعيًا للحصول على اعتراف دولي وعدم إثارة قلق الدول الغربية والعربية، ويعزز هذا النهج فكرة أن الحركة قد تحولت من جهاد عالمي إلى شكل من أشكال الإسلام السياسي الوطني، مشابه لما تتبعه بعض الجماعات الإسلامية في دول مثل مصر وتونس وتركيا.

ومع ذلك، لا يزال هناك توتر بين التيارات المتشددة والتيارات الأكثر اعتدالًا داخل النظام الجديد، حيث تظهر بعض المؤشرات على محاولة فرض قيم محافظة، مثل الملصقات التي تشجع النساء على الاحتشام.

ماذا بعد؟

السؤال الكبير الذي يطرحه الفنانون والمثقفون في سوريا اليوم هو: هل هذا الانفتاح الفني مجرد مرحلة مؤقتة أم أنه توجه طويل الأمد؟

الباحثون والمراقبون يرون أن النهج الحالي يعكس محاولة لكسب الوقت وترسيخ السلطة قبل اتخاذ قرارات أكثر تشددًا، فكما حدث في إدلب، قد تتغير السياسات بمجرد أن تشعر السلطة الجديدة بأنها باتت في موقف أقوى يسمح لها بفرض رؤيتها دون مخاطر داخلية أو خارجية.

في الوقت الراهن، يبدو أن دمشق تشهد فترة اختبار للفنون والثقافة تحت حكم الإسلاميين، حيث يستعيد الفنانون بعض مساحاتهم المفقودة، بينما يترقب الجميع مستقبلًا لا يزال غامضًا… فهل ستظل دمشق ساحة للرقص والموسيقى، أم أن مقص الرقابة قد يسقط على الفنون يومًا ما؟

الإجابة ستتحدد في الأشهر والسنوات القادمة، بناءً على مدى نجاح الحكومة الجديدة في تحقيق التوازن بين حكمها الإسلامي ومتطلبات مجتمع متنوع ثقافيًا ودينيًا.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *